للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جبهة الشيطان لها جيشان: الشهوات والشبهات]

فهذه الجبهات المفتوحة على الإنسان يحتاج فيها إلى عدة، وبالأخص حين يعلم أن جبهة الشيطان لها جيشان أحدهما: جيش الشهوات، والآخر: جيش الشبهات، والناس مقسومون بين هذين الجيشين، منهم أسارى الشهوات، ومنهم أسارى الشبهات، فالمأسورون بالشهوة ينقسمون إلى قسمين؛ لأن الشهوة نفسها تنقسم إلى قسمين: إلى شهوة حسية وشهوة معنوية، فالشهوة الحسية كشهوة البطن والفرج، والشهوة المعنوية كحب الرئاسة وحب الانتقام وحب الشهرة والظهور وغير ذلك.

والشبهة كذلك تنقسم إلى قسمين: إلى شبهة في التعامل مع الله، وشبهة في التعامل مع الناس، فالشبهة في التعامل مع الله تنقسم إلى قسمين: إلى شبهة عقدية تتعلق بالتصور والعلم، يلقيها الشيطان للإنسان، ولا يزال الشيطان بابن آدم يقول له: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول له: فمن خلق الله؟! فهذه شبهات الشيطان في المجال العقدي.

والنوع الثاني من الشبهة في التعامل مع الله: الشبهة في التعامل معه في العبادة، فما يصيب الناس من الوسواس في الطهارة وفي الصلاة، وكذلك ما يعرض لهم من شبه الأعذار عن الازدياد من الخير؛ هي من شبهات الإنسان التي تحول بينه وبين الازدياد من الطاعة قبل أن يفوت الأوان.

والنوع الثاني من أنواع الشبهات: الشبهات في التعامل مع الناس، وهي تنقسم إلى قسمين؛ لأن الإنسان فيها بين إفراط وتفريط: فالنوع الأول من الشبه في التعامل مع الناس: شبهة الإفراط؛ فيقدس الناس ويحترم بعضهم احتراماً كبيراً، حتى يضفي عليهم صفة من صفات الإلهية أو يعتبرهم بمثابة معصومين، ويستسلم بين يديهم حتى يكون كالميت بين يدي غاسل، وهذه لاشك مبالغة، فالإنسان يقدَّر ولا يقدس، وهو عرضة للقبول والرد، يمكن أن تحسن خاتمته ويمكن أن تسوء.

والنوع الثاني من الشبه في التعامل مع الناس: هو شبهة التفريط؛ بأن يظن الإنسان بالناس ظن السوء، فهذا يتهمه بالشرك، وهذا يتهمه بالبدعة، وهذا يتهمه بالفسوق، وهذا يتهمه بالتقصير، وهو دائماً مقوم للناس، قد شغل وقته بتقويم الآخرين، وكل ما له من الاهتمام هو في مستويات الناس، وهذا النوع على خطر عظيم، ولذلك فقد أخرج مالك في الموطأ (أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، وإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية).