للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية مطالعة الكتب]

مرحلة أخرى لطالب العلم، وهي ما يستفيده الإنسان مطالعةً، فالإنسان بعد التأسيس أصبح مشاركاً في بناء نفسه، وليس كل العلوم يجد الإنسان وقتاً لقراءتها على الشيوخ، والكتب هي شيوخ موجودة معنا، لكن شيوخ من جنس آخر كما قال الحكيم: لنا جلساء لا يمل حديثهم ألباء مأمونون غيباً ومشهدا يفيدوننا من علمهم علم من مضى وعقلاً وتأديباً ورأياً مسددا فلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا فإن قلت أحياء فلست بكاذب وإن قلت أموات فلست مفندا فهذه الكتب هي في الواقع شيوخ تأخذ عنها، وإن كان فيها بعض الخطأ، فإنه لا تخلو الكتب من الخطأ، فقد قال البويطي رحمه الله: لما أكمل الشافعي كتابه ناولينه فقال: خذ هذا الكتاب على خطأ كثير فيه، قلت: يا أبا عبد الله! أصلحه لنا، قال: كيف وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢]، أبى الله العصمة إلا لكتابه؟ الكتاب المعصوم الوحيد الذي ليس فيه أي خطأ هو كتاب الله، وما سواه من كتب لابد أن يوجد فيها أخطاء، لكن مع هذا التأسيس يجد الإنسان ما يصحح به الخطأ، ولا ينبغي أن يعتمد على الكتب الأصلية دون رواية، وأما الشروح فقد لا يحتاج فيها إلى رواية، لكن متون الكتب وأصولها لابد من روايتها، أي: سماعها على شيخ، وذلك الشيخ أيضاً لابد أن يكون له رواية فيها، فتبحث هل لديه رواية في الكتاب الفلاني؟ هل سمعه من شيخ؟ هل قرأه على شيخ؟ لأن كثيراً من الشيوخ يخطئون في قراءة بعض الكتب التي لم يرووها ولم يسمعوها عن شيخ، فيقعون في أخطاء كبيرة جداً، ولذلك قال أبو حيان رحمه الله: يظن الغمر أن الكتب تهدي أخا فهم لإدراك العلوم وما يدري الجهول بأن فيها مزالق حيرت ذهن الفهيم إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم وتلتمس الأمور عليك حتى تصير أضل من توما الحكيم فيحتاج الإنسان إذاً إلى رواية لها، وتقويم لسانه في قراءتها.