للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جهود العلامة أحمد بن سليمان الديواني]

وكذلك من الذين بذلوا كثيراً وضحوا في سبيل جمع هذا العلم من أهل ذلك العصر العلامة الشيخ أحمد بن سليمان الديواني، وقد رحل إلى الشيخ سديه في طلب العلم، ومكث عنده زماناً حتى توفي الشيخ سديه فتركه مكانه للتدريس.

حدثت أنه كان يختم على أولاده القرآن، يقرأ على كل عضو منهم ختمة يريد بذلك شغلهم بكتاب الله وتحبيبه إليهم، وكذلك كان أولاده من بعده، فهذا الشيخ سيدي محمد بن الشيخ أحمد يصف حال المحضرة الموريتانية ومنافسة الناس في طلب العلم فيها فيقول: فمن لي بأصحاب كرام أعزة يكونون أصحابي وأصحبهم دهرا يخوضون في كل العلوم بفهمهم فهذا بذا أدرى وذاك بذا أدرى فمن منشد بانت سعاد ومنشد خليلي غضا أو تذكرت والذكرى ومن منشد بان الخليط ومنشد ألا عم صباحاً أو قفا نبك من ذكرى إلى آخر القصيدة التي يقول في آخرها: ومن جائبٍ عيشاً كبيراً لقومه ومن جائب لحماً ومن جائب تمرا وهذا أيضاً من ثقافة المحضرة، فقد كان بينهم من التعاون في الغذاء ما كان بينهم من التعاون في العلم أيضاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثنى على الأشعريين أنهم كانوا إذا أرملوا جمعوا أزوادهم في ثوب فاقتسموها بإناء، قال: فهم مني وأنا منهم.

وقد كان طلاب المحضرة يتحلون بذلك.

ولهذا فإن الشيخ محمد بن الأمين بن الددو رحمه الله كان ذات يوم في طلاب العلامة يحظيه بن عبد الودود، فكان وقت الظهيرة وهم يبنون عريشاً لهم في أوج الحر والصيف، فقال: كسا الله يا أهل العريش عريشكم بشرب لدى وقت الظهيرة سلسل وعيش يرى وسط الإدام كأنه كبير وناس في بجاد مزمل فرآهم يحظيه يضحكون فسأل عن السبب، فأنشدوه الأبيات فأمر لهم بذلك.

هذا الحال قد اشتهر في كثير من طلاب المحضرة، فقد كانوا يتعودون على الجوع والنصب ويسهرون الليالي ذوات العدد، ولذلك يصف العلامة أممو زكني طلاب العلامة يحظيه بن عبد الودود رحمهم الله أجمعين بقوله: من بكر وضاح لهم مثابرة لفني دهمان العشاء الآخرة أي أنهم من صلاة الفجر إلى صلاة العشاء وهم يثابرون في الدرس لا يقطعونه إلا للفريضة، وهذا ما أخذوه عن يحظيه بنفسه، فقد كان في أيام الطلب عند محمد بن محمد سالم يقول: مكثت تلك الفترة لا أكمل التسبيح بعد الصلاة انشغالاً بالعلم، فكان يقول: (السلام عليكم ورحمة الله) من الفريضة فيقول لزميله عبد اللطيف -وكان عبد اللطيف زميله في الدرس- فيقول له: هذا درس من مختصر خليل.

وكذلك فقد خرج يحظيه ذات ليلة حين أرسله الحسن بن زين للإتيان بعدة يسقي غنمه، فقال: حان وقت صلاة المغرب فجلست لأصلي المغرب عند نار قد أوقدت في شجرة، فلما صليت المغرب أعجبني ضوء النار، ففتحت كتابي -وقد كان إذ ذاك يدرس باب الإضافة من الألفية- فما زلت أقلبها وأراجعها حتى انتشر ضوء الفجر، ولم أشعر بصلاة العشاء ولا بخروج وقتها ولا بأي انشغال آخر استغراقاً في الدرس وقد وصف العلامة محمد علي بن عبد الودود رحمه الله طلاب العلامة يحظيه إذ ذاك بقوله: لي جيرة كنجوم الصحو غران شم طهارا ثياباً أينما كانوا من كل قطر تؤاخي بينهم كرماً هماتهم وغروم القوم شذان يزدان بالعلم أهل العلم كلهم والعلم من جيرة يسم ويزدان لا أستلذ مقاماً بينهم فرقاً من الفراق ولا آسى إذا بانوا وقد وصف الشيخ محمد علي أيضاً طلاب المحضرة بقوله: فهذا وقير آمن في ثغائه وقار بأمن من حزمِّ كلال وأقصاص طلاب العلوم أمامهم موقرة من هيبة وجلال وأكثر طلاب المدارس همه بيان حرام أو بيان حلال وعمارها من كل ضنأ كريمة كريم كلال من كريم خلال أغرك مصباح الظلام بل إنه كمثل كلال العارض المتلالي يظلون لا يألون حتى كأنهم وليس بهم داع مراض سلال يقيمون فرض الخمس عند ندائها نداءً للأعمى أو نداء بلال