للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أضرار الإسراف في المطاعم والمشارب]

السرف يكون أيضاً في المطاعم والمشارب ونحوها مما يقتضي مضرة بالبدن، وهذه المضرة أنواع، فما من شيء فيه منفعة وإلا وفيه نوع آخر من أنواع الضرر، فالماء فيه منافع لا تحصى، ومع ذلك فيه مضار؛ فإنه يقتضي نقصاً لبعض إفرازات المعدة التي يحتاج إليها الإنسان في هضم غذائه؛ وكذلك غيره من أنواع المشروبات، وأنواع ما يستعمله الإنسان في نفسه، فإذا زاد عن الحاجة أو تمحض وحده أضر.

ومن هنا؛ فإن كثيراً من الأمراض المعروفة اليوم سببها الغذاء: كالمرض السكري، فهو ناشئ عن الإسراف في النشويات، وكمرض القلب فهو ناشئ عن الإسراف في الدهنيات، وكمرض الكلى فهو ناشئ عن الإسراف في المآكل ونقص المشارب، وكذلك أنواع الأمراض الأخرى كبعض الأمراض الجلدية فهي ناشئة عن الإسراف في استعمال السكر مثل البرص والبهق وغيرها، وكذلك بعض الأمراض تنشأ عن الإسراف في استعمال الأملاح، وبعضها ينشأ عن الإسراف في استعمال السوائل كالترهل، وهو السمنة الزائدة، فإنها تنشأ من استعمال السوائل والإسراف فيها أكثر من الحاجة، فتقتضي الاتساع في البطن، فإذا أكثر الإنسان وأسرف فيها تضخم بدنه، فكان ذلك مرضاً من الأمراض؛ لأنه يضعف قواه، ويؤدي إلى احتكاك مفاصله، وتوقف أماكن النمو في بدنه، وكثيراً ما يؤدي إلى أمراض كثيرة.

كذلك الحركات: فالإسراف فيها يقتضي بعض الأمراض، فالإسراف في الرياضات يقتضي المرض في الغضروف الذي يحول بين فقرات الظهر، فيتمطط ويتمدد.

وكذلك الإسراف في المشي يقتضي أمراضاً في الركب، كالاحتكاك والاحتقان وغيره.

فالإسراف مضرة أياً كان هذا الإسراف.

وكذلك الإسراف في الملابس، فإنه أيضاً يقتضي مضرة، فزيادة ثقلها فيه ثقل دائم على الإنسان، ووزن زائد على وزنه، والإنسان ذو طاقة محددة، عليه ألا يزيد وزنه عليها، وألا تزيد حمولته الدائمة عليها.

ومن هنا فإن كثيراً من الأمراض ينشأ عن عدم الاعتدال في النعلين، فيكون الإنسان يسير سيراً غير مستقيم، إحدى رجليه أرفع من الأخرى، فيصاب بمرض ونقص للتوازن بسبب ذلك؛ لأن سرعة الدم في أحد الشقين ستكون أبلغ من سرعته في الشق الآخر، فيؤدي هذا كثيراً إلى بعض السرطانات، وبالأخص سرطان الدم وغيره، وقد حصل في إحدى الشركات التي كانت تصنع النعال في الولايات المتحدة الأمريكية أن أقيمت عليها دعوة في المحاكم، بسبب أن نعالها لم يكن مبالغاً في وزنها من ناحية المقاس، فرفعت عليها دعوى أدت إلى إفلاسها، وأخذ أموالها.

إذاً هذا يقتضي منا عدم الإسراف مطلقاً، ويذكر العلماء أن الإسراف في القراءة مقتض لأمراض بدنية، واختلال في القوة العقلية.

والقوة العقلية وغيرها من القوى وزنها الله على حسب بدن الإنسان، وعلى حسب روحه، فإذا زادت اختل توازنه، فكثير من الناس يريد زيادة العقل ويتمنى ذلك، لكنه لا يعلم أنه لو زيد عقله لاقتضى ذلك اختلالاً فيه؛ لأن الله وزنه على هذا الميزان، وقدره على هذا التقدير؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى:١ - ٢]، فهذا التقدير العجيب تقتضيه حكمة الله سبحانه وتعالى، وهو الاعتدال العجيب في خلقة الإنسان، فلا بد أن يكون الذراعان على حجم واحد، واليدان على حجم واحد، والأذنان كذلك، والعينان كذلك، والرجلان، والساقان، والفخذان وهكذا، حتى يتم قوام الإنسان، وما شذ عن هذا كان عيباً في الخلقة وضعفاً.