للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توحيد الله في أسمائه وصفاته]

أما التوحيد الثالث فهو توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته، فإن الله سبحانه وتعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٠٣] , ولا يمكن أن يشبه شيئاً ولا أن يشبهه شيء، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] , فلا يمكن أن يعرف بالعيان ولا بالمثال، فلم يبق إلا معرفته بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستدلال عليه بمخلوقاته، وفي هذا يقول العلامة محمد بن فارع المتالي رحمه الله تعالى: وطرق المعرفة الكبار عيان أو مثال أو آثار فأول منعه الجبار إذ قال لا تدركه الأبصار والثاني أيضاً منعه في النقل لأنه ليس له من مثل لم يبق بعد ذا سوى آثار صنعته في العالم السيار فهذا الدليل الباقي على معرفته، فالله سبحانه وتعالى أثنى على نفسه بكثير من الصفات، وأثنى عليه رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك بكثير منها، ولا أحد أعلم بالله من الله، وبعد ذلك لا أحد أعلم به من رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعلمكم بالله وأخشاكم لله أنا) , فإذا أخبر عن نفسه بصفة وجب الإيمان بذلك وتصديقه ومعرفة أن تلك الصفة واجبة لله، وإذا أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم بشيء وجب الإيمان بذلك، وتصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من ذلك.

ومع هذا يجب أن نعلم أنه لا يمكن أن يكون لصفات الله أي مثال في عالم الحوادث، فشتان بين الخالق والمخلوق، لكن لا يخفى علينا أيضاً أن الأسماء قد تشترك، فقد تكون الصفة التي يتصف بها الله عز وجل يستمي بها المخلوق، فيتسمى بهذه الصفة المخلوق، لكن لا علاقة بين الصفتين إلا في الاسم فقط، فعلم الله يطلق عليه لفظة العلم، وعلم المخلوق يطلق عليه لفظة العلم، لكن شتان بين العلمين، فعلم المخلوق قال الله تعالى عنه: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:٨٥] , والله هو علام الغيوب: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩].

كذلك وجه الله يطلق عليه هذا اللفظ (الوجه)، ووجه المخلوق يطلق عليه (وجه)، لكن شتان بين الأمرين، شتان بين الخالق والمخلوق، ومثل ذلك ما نسميه ذاتاً، فنحن نقول: ذات الله، وذات المخلوق.

لكن شتان بين الأمرين، فنحن لا نعرف من الذوات إلا ذوات المخلوقين، وذات الله عز وجل هي نفس الله التي سماها في القرآن (نفساً) في قوله حكاية عن عيسى عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦] , وفي قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨]، في آيتين من سورة آل عمران، وغير ذلك من لفظ النفس في القرآن.

فإن لفظ الذات لم يرد فيه، وليست في اللغة بهذا المعنى، ولكنها مصطلح للمتكلمين، فنحن ننطق بها على هذا المصطلح، ولا ننطق بها إلزاماً لأن تكون من ألفاظ الاعتقاد الواردة في الكتاب أو السنة فليست كذلك.

وهذه النفس مخالفة لنفس المخلوق، وإنما تشترك معها في الاسم فقط، فنحن لا نعرف من الأنفس إلا نفس المخلوق، ولا يمكن أن نقيس عليها نفس الخالق أبداً، وشتان بينهما.

ومن هنا لزم أن نطرد هذا التفريق في كل الأمور، فلله نفس تخالف أنفس المخلوقين، فلا أحد يزعم أن ذات الله مثل ذوات المخلوقين أبداً، لكن كذلك لله صفات تنافي صفات المخلوقين، وإذا كان كذلك فلا فرق بين الكلام في النفس والكلام في الصفات، فالقول في الصفات كالقول في الذات مطلقاً، وهذا ما يغفل عنه كثير من الناس، فلا يرى ضرراً في إطلاق الذات على الله كما تطلق على ذات المخلوق مع الفرق الشاسع بينهما، لكن إذا جاء إلى الصفات تأثر من إطلاق بعض الصفات على الله؛ لأنه يفهمها على منوال صفات المخلوقين، وهذا غلط، فلماذا تميز بين الذات والصفات؟ فالقول في الذات كالقول في الصفات، وبعد هذا فالقول في بعض الصفات كالقول في بعضه، فما الفرق بين العلم واليد والعين ونحوها؟ فكلها صفات أثبتها الله لنفسه لا يمكن أن تكون مشابهةً لصفات المخلوقين، وكلها تدل على التمام والكمال، وكلها تقتضي محبته وتمام الإيمان به والتوكل عليه، وليس شيء منها يقتضي نقصاً فيه ولا عجزاً ولا تشبهاً بالمخلوق أبداً، واشتراكها في الاسم مع صفات المخلوق لا يقتضي نقصاً لها، فالمخلوق قد يشترك مع المخلوق بالاسم وشتان بينهما، فللإنسان عين وللفيل عين، لكن شتان بين عين الفيل وعين الإنسان، وقد قال ابن عباس: (ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء)، فالجنة فيها اللبن والدنيا فيها اللبن، فهل هذا اللبن مثل اللبن الذي في الجنة؟ شتان بينهما.

والجنة فيها خمر والدنيا فيها خمر، لكن شتان بين خمر الجنة وخمر الدنيا، والجنة فيها ماء والدنيا فيها ماء، لكن شتان بين الماء الذي في الدنيا والماء الذي في الجنة.

كذلك مثال آخر، فأقرب شيء إلى الإنسان نفسه التي بين جنبيه، وهو يعلم أن له روحاً يؤمن بها، وأنها تصعد وتعرج وتنزل وتذهب وتستقر، وترضى وتغضب، ومع ذلك لا ينكر شيئاً من هذه الصفات؛ لأنه يحس بها في داخله ولا يمكن أن يصورها بوجه من الوجوه، ولا يدرك لها حقيقة، وكثير من الناس اليوم يقولون: نحن نطبق المنهاج التجريبي على كل شيء.

فينكرون الإيمان بالله؛ لأنهم يقولون: الحقائق كلها أصبحت علمية تجريبية.

لكن يقال لهم: ألا تؤمنون أن لكم أرواحاً وعقولاً؟ فإذا قالوا: ليس لنا أرواح وعقول قلنا: أنتم إذاً أحجار أو أشجار فلا نتكلم معكم.

وإذا قالوا: لنا أرواح وعقول فنقول: صفوها لنا! فما صفة عقلك أنت وما صفة روحك؟ فإذا شهد على ذلك وسلم وقال: أنا أؤمن بأن لي روحاً وعقلاً لكن لا أستطيع وصفها نقول: كيف تنكر هذا عن رب العالمين وتقر به لمخلوق ضعيف؟ فآمن بالله، واعلم أنك عاجز عن معرفته، فكما عجزت عن معرفة روحك التي هي أقرب شيء إليك فأنت معذور إذا عجزت عن معرفة الله عز وجل.

ومن هنا فإن صفات الله عز وجل التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم من عنده التي وصف بها نفسه في القرآن ووصفه بها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: الصفات الإيجابية.

القسم الثاني: الصفات السلبية.

فالصفات الإيجابية جاءت على وجه التفصيل، والصفات السلبية جاءت على وجه الإجمال، فالصفات السلبية مثل قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٣ - ٤] , وهي نافية للنقص عنه، والصفات الإيجابية مثل العلم، والحياة، والقدرة، وغيرها من الصفات التي أثبتها الله عز وجل لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.

ويمكن أن نفصله تفصيلاً آخر فنقول: تنقسم إلى: صفات ذاتية.

وصفات فعلية.

فالصفات الذاتية مثل الوجود الذي يمكن أن نقول فيه: (الحق) بدل الموجود، ومثل الأولية التي يقول فيها المتكلمون: (القدم)، ومثل البقاء والدوام، ومثل الغنى ونحو ذلك، فهذه صفات ذات، ومنها أيضاً الوجه، والعين، واليدان، والساق، والقدم، فهذه صفات ذاتية.

أما الصفات الفعلية فهي تنقسم إلى قسمين: صفات اختيارية، وصفات دائمة.

فالصفات الاختيارية هي مثل الكلام بمعنى التكلم، والنزول، وكذلك الخلق والرزق والإماتة والإحياء، وغير ذلك من الأفعال كالغضب والرضا والرحمة والمحبة والسخط ونحوها، فهذه صفات اختيارية.

والصفات الدائمة من الصفات الفعلية كصفة الاستواء؛ فإنه قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] , بصيغة الماضي، فليس ذلك مثل غيره من الأفعال التي تكون بصيغة المضارع، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا).

فهذه الصفات يجب الإيمان بها، والإيمان بها يقتضي الإيمان بكمال الله عز وجل وجلاله وجماله وتمام التعلق به ومحبته، وكذلك يقتضي التوكل عليه وحده وعدم منازعته في شيء من أمره، فهو الذي يقول: (الكبرياء ردائي، ومن نازعني ردائي قصمته) , (قصمته) ومعناه: أهلكته وقطعت دابره.

فهذه الصفات يجب الإيمان بها بالإجمال، ولا يجب التفصيل، ولهذا لم يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل الناس، وكثير منها إنما جاء في أحاديث آحاد، كثير من صفات الله جاءت في أحاديث يرويها آحاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعلمها لكل الناس، فلا يجب أن نمتحن الناس عموماً بصفات الله، بل لا يجب على كل الناس أن يتعلموا ذلك.

كذلك أسماء الله، فقد سمى الله تعالى نفسه بكثير من الأسماء في كثير من اللغات، وهذه الأسماء كلها كذلك تدل على صفات، وتدل على كمال وجلال، وكلها تقتضي محبته ودعاءه والتوكل عليه، وهي تنقسم إلى أسماء للتعلق والتخلق، وأسماء للتعلق فقط.

فالأسماء التي هي للتعلق والتخلق مثل: الرحمن الرحيم، والعفو الرؤوف، والحليم الكريم، ونحو ذلك.

والأسماء التي هي للتعلق -فقط- مثل: الله، الجبار، المنتقم، ذي الجلال والإكرام، القيوم.