للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام الهداية]

ومع هذا لابد أن يعلم الذين يسعون إلى تحقيق هذا الهدف أن الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية إرشاد، وهداية توفيق.

فهداية الإرشاد يمكن أن يقوم بها البشر، وهداية التوفيق لا يمكن أن تقع إلا بأمر الله سبحانه وتعالى وحده.

والله سبحانه وتعالى نفى القدرة على هداية التوفيق عن محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦]، وأثبت له القدرة على هداية الإرشاد، فقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى:٥٢ - ٥٣].

وهداية التوفيق هي المذكورة في الفاتحة في قول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦]، وهداية الإرشاد هي المذكورة في قصة ثمود، في سورة فصلت، في قول الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:١٧]، (فهديناهم) أي: هداية الإرشاد، ببعثة رسول إليهم، وإقامة الحجة عليهم، (فاستحبوا العمى على الهدى) فلم ينتفعوا بتلك الهداية، فمن شاء الله هدايته لابد أن يهتدي ولو لم يبذل معه الكثير من الأسباب، ومن لم يرد الله له الهداية لا يمكن أن يهتدي، ولو بذلت له كل الأسباب، ولهذا قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [يونس:٩٩ - ١٠٠]، وقال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام:١٠٩ - ١١١].

ولهذا جعل الله الهداية نوراً يقذفه في قلب من شاء من عباده، كما قال في وصف الإيمان: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:٥٢].