للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التقصير في العبادة غلظ في الطبع وجفاء]

والذين يقصرون في العبادة لا يمكن أن يتذوقوا طعم الخدمة الخاصة للجبار سبحانه وتعالى، ولا أن يستشعروا نعمة الانتساب إليه سبحانه وتعالى، فلذلك لابد أن يوجد فيهم من الجفاء وغلظ الطبع وسوء المعاملة وسوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى ومع رسوله ومع شرعه الشيء الكثير، فهم لا يحترمون القرآن ولا يقدرون السنة، ولا يحترمون شعائر الله ولا يعظمونها: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢].

ولذلك لا يحبون الناس الحب في الله، فإذا رأوا من يعبد الله سبحانه وتعالى ويحبه ويدعو إليه لا يحبونه، ولا يجدون في أنفسهم حباً له؛ لأن الجانب العاطفي في التعامل مع الله لديهم قد انخرم، وبذلك لا يعرفون الحب في الله، فالحب في الله إنما يكون من الاستقامة على المنهج ولزوم عبادته، فإذا عرفت أنك مقصر في أداء حق الله الذي يستحقه من العبادة أحببت جبريل وميكائل؛ لأنهما يعبدان الله العبادة التي يستحق، وأحببت كل عابد لله؛ لأنه يؤدي الحق الذي تحب أنت أن تؤديه وأنت عاجز عنه.

وكذلك فإن الذين يقصرون في العبادة يصابون بأمراض أخرى، من أعظمها الجسارة على المعصية، فإن العابد لله سبحانه وتعالى تنهاه عبادته عن المعصية، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥]، والذي لا يجد هذا السور بينه وبين المعصية كان مع المعصية في لحاف واحد، يجد نفسه معها في كل أحيانه، بينما من كان في العبادة بينه وبين المعصية سور عظيم، ومن هنا فجوارحه لا تنقاد إلى المعصية وتستمر فيها حتى لو استزله الشيطان إليها، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١].