للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سوء أحوال قادة الأمة]

أقول بكل مرارة وأسف: إن الذين يقودون البلاد الإسلامية أغلبهم لا يراعون إلا بعض مصالحهم الخاصة، ولو كانوا يراعون مصالح أنفسهم لأصلحوا ما بهم، ولأحسنوا علاقتهم بالله سبحانه وتعالى، ولأدوا الحق الذي عليهم.

فالذين يظنون أنهم يرعون مصالحهم الخاصة كاذبون في تصورهم؛ إذ لو كانوا يرعون مصالحهم الخاصة لنأوا بأنفسهم عن نار الله وعذابه، لكنهم إنما يراعون بعض الأمور العاجلة في هذه الحياة الزائلة، ويظنون بذلك أنهم يراعون مصالحهم، وهذا غير الواقع تماماً.

والجيوش المدججة التي تدربت وتربت وتعلمت، واشتريت لها أنواع الأسلحة من أموال هذه الشعوب المسكينة لا تبذل قوتها وطاقتها وسلاحها إلا في ظهور الشعوب المسكينة المتخلفة الذليلة.

وحالها قريب من حال الذي يقول فيه الشاعر: أسد عليّ وفي الحروب نعامة ربداء تنفر من صفير الصافر هلا كررت على غزالة في الوغا أم كان قلبك بين جنبي طائر إن هذا الحال آن الأوان لزواله، فآن الأوان أن تراجع الأمة مسيرتها، وأن يهتم قادتها بتوحد المسلمين، وبإعلاء كلمة الله وإعزاز دينه، وأن يعلموا أنهم جميعاً أكلوا يوم أكل الثور الأبيض.

وأن كل ما يحافظون عليه من المصالح الزائلة قد ذهب جميعاً بذهاب مصالح أي صقع من أصقاع هذه الأرض الإسلامية.

ولذلك فإن الذين هم بمنأىً عن الحرب في فلسطين وفي أفغانستان وفي الشيشان وفي غيرها من الأماكن الملتهبة، وهم في أمن وأمان بحسب الظاهر، ويتصرفون في كثير من خيرات البلاد، ويملكون الأموال الطائلة قد رأوا أن أموالهم ومدخراتهم وكل ما كانوا يزمرونه من الأموال في بلاد الغرب قد أصبح نهبة لهذه الحروب، فما يقاتل به إخوانهم يحسب عليهم هم.

فالحرب في أفغانستان تكلف يومياً ملياراً ونصفاً -على الأقل- من الدولارات، وهذا كله محسوب على من؟ على ممتلكات البلاد الإسلامية وعلى مدخراتها لدى أمريكا، وعلى استثماراتها في تلك البلاد.

فإن الأمريكيين عقدوا من العهود مع عدد من البلدان الإسلامية ما يقتضي أن تشارك البلاد الإسلامية في تغطية نفقات الحروب التي تدخلها الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي بعض بلدان الخليج وقع العهد مكتوماً، ولكنه انتشر وعرف فيما بعد على أن الحفاظ على أمن الخليج وعلى أمن تلك الدول بذاتها يقتضي أن تشارك تلك البلدان في نفقات كل حرب تدخلها أمريكا بمبلغ كبير، ولذلك تسمع الآن تذمر اليابان من الحصة التي جعلت عليها من تمويل الحرب في أفغانستان، ولا تجد تذمراً في كثير من البلدان الخليجية التي أصبحت مدينة بعد أن كانت دائنة، وأصبحت معدودة الآن في البلاد التي بدأ التأخر والتراجع في تطورها الاقتصادي، كل ذلك بسب تلك الاتفاقيات المجحفة التي أقدم عليها أصحابها وهم لا ينظرون إلى مصالح الأمة.

فالذي يوقع على مثل هذا العقد لا يمكن أن يكون ذلك الوقت مفكراً بمصالح أمته، بل إنما يفكر بمصلحة كرسيه العاجل في الدنيا فقط.

وهذا الحال ليس مختصاً ببعض بلدان الخليج، بل هو أيضاً في البلدان الأخرى كلها، فبلاد المغرب العربي كل يوم تقدم على كثير من الاتفاقيات المجحفة التي فيها استغلال لخيرات هذه البلاد ونهب لها في مقابل وعود بالتمويل أو قروض ربوية، أو مقابل ما يسمونه بالتعاون الأمني الذي لا يكون إلا عصاً على رؤوس الشعوب.

فالذي تقدمه أمريكا والبلدان الغربية لبلاد المغرب العربي أغلبه مجرد معلومات أمنية عن شعوبها المستضعفة الذليلة المهينة التي لا يخاف منها أن تفعل أي شيء، لكن تلك المعلومات تباع بأثمان غالية.