للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الركن الأول للإسلام: الشهادتان]

أول هذه الدعائم: الشهادتان.

وهذا يدلنا على أهمية اللسان، فأول دعائم الإسلام متعلقة بهذه الجارحة التي جعلها الله واحدة في البدن كله، فقد تعددت العينان والأذنان والمنخران واليدان والرجلان وانفرد اللسان، ومع هذا فقد جعله الله تعالى بهذه المنزلة وبهذه المثابة، فهو ذو خطر عظيم، كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)، وهو أصل الخروج من الكفر والدخول في الإسلام، فالنطق بهاتين الشهادتين هو عنوان الإسلام، وهو الفاصل بينه وبين والكفر.

فهاتان الشهادتان لهما أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن يعلم الإنسان محتواهما.

أن يعلم الإنسان علم اليقين أنه لا إله إلا الله، وأن يعلم كذلك بقلبه أن محمداً رسول الله وما يستلزمه ذلك من حقوق النبوة والرسالة، فهذه المرتبة الأولى من مراتب الشهادة الأربع، وهي: العلم بالشيء، وبها فسر قول الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ} [آل عمران:١٨] , فالمقصود هنا العلم بذلك باليقين الجازم الذي لا يقبل الشك.

المرتبة الثانية من مراتب الشهادة: النطق بها.

والنطق بها عنوان عما في القلب، فإذا نطق بها الإنسان دون أن توافق مافي قلبه كان منافقاً، وهذا النطق هو الذي يتحاكم الناس على أساسه؛ لأن العلم الذي يسبقه خفي لا يطلع عليه إلا علام الغيوب، ونحن ما كلفنا أن نشق عن قلوب الناس، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أسامة: (هلا شققت عن قلبه؟ إنما نحن قوم نحكم بالظواهر)، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الوحي قد انقطع بالنبوة، ونحن قوم بحكم بالظواهر والله يتولى السرائر، فمن أبدى لنا صفحة عنقه أخذناه).

ومن هنا فإن المرتبة الأولى موكولة إلى علم الله، والمرتبة الثانية هي التي على أساسها تترتب الحقوق وتترتب التعزيرات والحدود.

المرتبة الثالثة من مراتب الشهادة: الالتزام بحقوقها.

الالتزام بحقوق هذه الشهادة بعد النطق بها، فمن نطق بالشهادتين فلم يؤد الصلاة ولم يؤت الزكاة ولم يلتزم بدعائم الإسلام فإنه لم تكتمل شهادته بعد؛ لأن هذا هو المرتبة الثالثة من مراتب الشهادة، ومن لم يؤدها فلا تتم شهادته دونها.

أما المرتبة الرابعة من مراتب الشهادة فهي الإلزام بمقتضاها بعد الالتزام به.

الالتزام به هو أن يلتزم به الإنسان في نفسه، والإلزام بها معناه: أن يسعى لأن يلتزم الناس بها، بأن يبذل الجهد من أجل التزام الناس بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولذلك وجب على كل مؤمن أن يحب للناس أن يدخلوا في الإسلام وأن يشهدوا بشهادة الحق وأن يلتزموا بمقتضاها، وهذه المراتب الأربع لا تتم الشهادة بدونها.

فمن علم مقتضى الشهادة بقلبه ثم لم ينطق بها لا تتم شهادته، ومن علمها ونطق بها دون أن يلتزم حقوقها لم تتم شهادته، ومن علمها ونطق بها والتزم حقوقها ولم يسع للإلزام بها لا تتم شهادته، فإذاً لابد من هذه المراتب الأربع التي هي مراتب الشهادة.