للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قول الله: (إنما يعمر مساجد الله)]

السؤال

ما تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:١٨]؟

الجواب

هنا بين الله سبحانه وتعالى أن عمارة المساجد باستغلالها في العبادة واستغلالها في طاعة الله سبحانه وتعالى لا يصدر إلا من مؤمن يريد وجه الله ويبتغي الدار الآخرة، فلذلك جاء بـ (إنما) التي هي أداة حصر، وقوله تعالى: (يعمر مساجد الله) يدخل فيه مساجد الجماعات والمصلَّيات وغيرها.

وقوله: (من آمن بالله واليوم الآخر) الذي آمن بالله هو الذي يعرفه ويريد عبادته، والمؤمن بالله واليوم الآخر هو الذي يحتسب ويرجو الأجر فيما يعمل.

وقوله تعالى: (وأقام الصلاة) لأنها هي التي تعمر بها المساجد.

وقوله تعالى: (وآتى الزكاة) لأن الزكاة أخت الصلاة، ولذلك إنما يتركها المشركون، ولهذا قال الله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت:٦ - ٧]، وامتدح الذين يؤدونها فقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٧ - ١٥٨]، وقبل هذه الآية يذكر الأمر بالزكاة وحدها، وهذا الموضع الوحيد في القرآن الذي ذكر فيه الأمر بالزكاة وحدها دون أن يرتبط ذلك بالصلاة: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ} [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧].

وقوله تعالى: (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) هذا من تمام الإيمان بالله؛ لأن الإيمان به يقتضي خشيته، فهو أحق أن يخشى.

(فعسى أولئك) و (عسى) من الله الوجوب، ومعناها: يقارب أولئك (أن يكونوا من المهتدين)، فإنهم يهدون لذلك، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي أنه قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) لأن الله تعالى يقول: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)) [التوبة:١٨])؛ لكن هذا الحديث فيه ضعف، ومع ذلك فالمقصود بارتياد المساجد والمقصود بعمارتها ما كان مقصوداً به وجه الله، ولا يقصد بذلك ما قصد به الرياء والتسميع، أو ما كان عابراً للإنسان دون أن يحتسب فيه وجه الله.