للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الضراعة إلى الله]

وإن الله سبحانه وتعالى يقدر ما شاء من قدره؛ ليرفع إليه عبيده أيديهم بالضراعة، وهو الحكيم الخبير؛ فكل أمره إنما هو لحكمة بالغة: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] ولابد من الإيمان بقدره اللازم، ولابد أن يجأر إليه العباد بالضراعة في كل الأحوال، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا أحس العباد بالاستغناء؛ فإن الاستغناء سبب لحصول ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦ - ٧]، وقال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى:٢٧].

وإن الله سبحانه وتعالى ينبه عباده على الضراعة إليه ودعائه وذكره بما يبتليهم به من أنواع البلاء، فإذا مدوا أيدي الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى، حقق ما كان قدر، وإنه هو الحكيم الخبير: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣].

وكثيراً ما يحال بين المرء وبين الرزق وغير ذلك مما يقدره الله، حتى يجأر إلى الله ويدعوه، وقد قال الله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٤٣].

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة في الصحيحين أنه قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبَّان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم.

ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لا إله إلا الله يفعل ما يريد!!).

فلابد من إخلاص العبودية لله سبحانه تعالى والضراعة إليه بالدعاء وذلك سر استجابته، وإن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وإن عطاءه غير محظور، وقد قال فيه: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء:٢٠]، يعطي عبده قبل المسألة، ويعطيه إذا سأل، ويضاعف له بما لا تبلغه فكرته، وقد قال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧].

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، فهذا لا يمكن أن يدعو العباد به ولا أن يسألوه؛ لأنه لا يخطر على قلوبهم، ولا يمكن أن تراه أعينهم، ولا أن تسمع به آذانهم، لكن الله يبتدئهم بكرمه وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى.