للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أطوار هذه الأمة في تحملها لمسئولية هذا الدين]

الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن أطوار هذه الأمة وما ستتحمله من المسؤولية، فأخبر أن خير القرون هم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء إذا قرأنا شيئاً من أخبارهم وسيرهم واطلعنا على بعض النماذج منهم عرفنا كيف حققوا هذه الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف حصل لهم الشرف بها وأيقنوا وآمنوا وجاهدوا واتبعوا، ولم يغيروا ولم يبدلوا، وساروا على المحجة البيضاء غير مرتابين ولا شاكين، فوصلوا واتصلوا بحبل الحق فاستمسكوا به على بصيرة ويقين، وكانوا الزمرة الأولى، ثم جاء بعدهم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وهنا سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الراوي: ما أدري هل ذكر قرنين أو ثلاثة.

ثم إنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال: (يغزوا فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم.

فيفتح لهم، ثم يغزوا فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من رأى من رأى محمدا؟ فيقولون: نعم.

فيفتح لهم، ثم يغزوا فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم.

فيفتح لهم).

إن هؤلاء قد سلكوا هذا الطريق حين عرفوه والتزموا به، وبذلك فازوا، وقدموا لله سبحانه وتعالى ما أمرهم بأن يقدموه، ولم يقدموا بين يدي الله ورسوله، بل تأدبوا بالأدب الحق ففازوا بذلك ونجحوا، ولكن وراءهم أقواما قد غيروا وبدلوا، ولم يستمسكوا بالطريق الذي سلكه هؤلاء فنجوا، وإنما اتكلوا على التظني والتمني، تجد أقواماً كباراً يزعمون أنهم من المتمسكين بالسنة، ولا يرضون أن ينسبوا إلا إلى سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن حين تنظر إلى حياتهم وواقعهم، وحين تسألهم عن الفترة التي يقضونها في الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله والبذل لله لا تجد شيئاً يذكر، وهنا ستعلم هل هم صادقون في دعواهم أو غير صادقين؟ إن سنة محمد صلى الله عليه وسلم واضحة، وكل شخص يعرف أنه صلى الله عليه وسلم مكث على هذه الأرض بعد بعثته ثلاثاً وعشرين سنة، وأن هذه المدة كان أكثرها في الجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الله وإعلاء كلمة الله، وما عدا ذلك فوقت بسيط للحياة الطبيعية المعتادة، وهي أيضاً واجبات ينوي لها نية تصيرها مثل السابقات، فالذي يدعي التمسك بسنته عليه أن يراجع سنته وسيرته، وأن يقسم وقته حتى يرى الجزء الذي خصصه في مقابل الجزء الذي خصصه الرسول صلى الله عليه وسلم لإعلاء كلمة الله.