للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من اتباع الهوى]

منها: أن بعض الناس يتعاطى العبادات وكأنها عادات، فتجده في بلده يصلي، لكن إذا سافر تقاعس كثيراً -نسأل الله السلامة- وأخرجها عن وقتها، أو تركها بالكلية ونحو ذلك وهذا انتكاس، يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} [الحج:١١] ولم يقل خيراً أو شراً، لأنها قد تكون في ظاهرها خيراً أو سروراً {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج:١١] فهذه صورة.

ولهذا قال ابن الجوزي: ترى كثيراً من الناس يتحرزون من رشاش النجاسة، ولا يتحاشون من غيبة.

وهذه قضية مهمة في التفاوت بين العبادات، تجده فعلاً يتهجد في الليل أو يصلي؛ لكن يقع في أعراض الناس وأشياء كثيرة؛ لأنه اتخذها عادة، ولم يأت على القضايا الإسلامية والعبادة على أنها عبادة وتقرب إلى الله عز وجل، بينما ما يأتيه من أمور يتساهلها قد تكون محبطة لعمله.

قال: أو يتهجدون بالليل ويؤخرون الفريضة عن الوقت؛ في أشياء يطول عددها من حفظ فروع وتضييع أصول.

يقول: بحثت عن ذلك، فوجدته في شيئين:

أحدهما: العادة.

والثاني: غلبة الهوى في تحصيل المطلوب، فإنه قد يغلب فلا يترك سمعاً ولا بصراً.

ومن الناس: من يطيع في صغار الأمور دون كبارها، وفيما كلفته عليه خفية، وفيما لا ينقصه شيئاً من عادته في مطعم وملبس، ونرى أقواماً يوسوسون في الطهارة، ويستعملون ماءً كثيراً، ولا يتحاشون من الغيبة.

قال: هناك أقوام يستعملون التأويلات الفاسدة في تحصيل أغراضهم مع علمهم أنها لا تجوز، وهذا أحياناً كما قلنا في الردود: يأخذ تأويلات ويتعسف فيها وهو يعلم في قرارة نفسه غير ذلك؛ لكن من أجل أن ينتصر لرأيه أو أن ينتصر لشيخه إلى آخره.

قال: ونرى أقواماً يتركون الذنوب لبعدهم عنها، فقد ألفوا الترك، وإذا قربوا منها لم يتمالكوا أنفسهم.

كما قلنا: بعض الناس قد يترك المعصية لأن الجو لا يساعد عليها، لكن إذا رأى جواً يساعد على المعصية وقع فيها.

هذه قضايا خطيرة وأرجو ألا أطيل، هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأختمها بعبارة: (إن متبع الهوى يرى ذليلاً، ضعيف الإرادة، عبداً لهواه ومشتهياته، فحقيقته مقهورٌ مستكين، بخلاف غالب الهوى، فإننا نراه ذا عزيمة وهمة تعلوه العزة والمهابة، وقارن ذلك بين وصف الله للمؤمنين والمنافقين: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:٨]).

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.