للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض مزايا البيت الحرام]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، جعل هذا البيت مثابة للناس وأمناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خير من صام وصلى، وطاف وسعى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه النجباء، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الجزاء.

أما بعد:

يقول الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:٩٦ - ٩٧].

أيها المسلمون: بيت الله المعظم هو ملتقى جموع المسلمين، وقبلة أهل الإسلام، تتوجه إليه القلوب والأبدان، ويفد إليه الحجاج والعمار رجالاً ونساءً: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:٢٧ - ٢٨] مجيبين ملبين: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك!

وما برح هذا البيت المُشرف بحفظ الله وكنفه يطاول الزمان؛ شامخ البنيان، في مناعة من الله وأمان، يتطلع إليه المسلمون، ويتنافس في بلوغ رحابه المتنافسون، يعيشون في أمنه وأمانه، وتوافر أرزاقه، وتكاثر خيراته، قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:٥٧] وقال عز من قائل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت:٦٧] لقد جمع الله لهذا البيت وأهله مزيتين بهما تحصل السعادة بتمامها، والطمأنينة بكمالها: ضمان الأرزاق، والأمان من الخوف: {لْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:٣ - ٤] إنها إجابة دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة:١٢٦].

أيها المؤمنون: وإن من التحدث بنعم الله الإشارة إلى جلائها بين المزيتين، وظهورهما واقعاً معاشاً، وأثراً ملموساً، فلله الحمد والمنة، رغدٌ في العيش، واستتبابٌ في الأمن، وتوفرٌ في المطاعم والمشارب، ورخصٌ في الأسعار، ويسرٌ في الحصول عليها، مما يشهده الحاضر والباد.

ولقد أعان الله القائمين على أمر هذه البلاد، وهيأ لهم خدمة الحرمين الشريفين على وجه يستبشر به أهل الإيمان، وقبل ذلك وبعده حكَّموا الكتاب والسنة، وأظهروا أمر الشريعة، فراية الدين مرفوعة، وأهل الحق ظاهرون، فزادهم الله صلاحاً وإصلاحاً وإعانة وسداداً.

وإن هذا الخير المشهود مع ما يرجى من أملٍ في المزيد المنشود، عائدٌ إلى الاستقامة على الحق، والقيام بواجب الشكر، ومعرفة نعم الله وقدرها حق قدرها: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧] {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].

إنهم يأكلون ويطعمون ويشربون ويستمتعون؛ ولكن: {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧] فهدف السكنى بجوار البيت الحرام هو: إقامة الصلاة على أصولها، وأداؤها على وجهها، والشكر على نعم الله المتوافرة ورزقه الكريم.