للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحاديث تؤكد عقيدة أهل السنة في الصحابة]

أخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه}.

هم خير القرون وخير الناس وخير الأمم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] وفي الحديث الصحيح: {خير القرون قرني وخير الناس قرني}.

هم أمنةٌ للأمة فإذا ذهب قرنهم وانقرض جيلهم حلت بمن بعدهم الفتن، وظهرت البدع، وبرز الجور والفساد.

جاء في صحيح مسلم رحمه الله عن أبي بردة عن أبيه قال: {صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء؟ قال: فجلسنا فخرج علينا، فقال: مازلتم ههنا؟ قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: أحسنتم أو أصبتم، قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: النجوم أمنةٌ للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنةٌ لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون}.

ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمدٍ صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب الصحابة خير قلوب العباد، فجعلهم الله وزراء نبيه يقاتلون على دينه]].

فهم أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قومٌ اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، اختارهم الله لنبيه أصحاباً، وجعلهم لنا قدوةً وأعلاماً، فحفظوا عن نبيهم ما بلغهم عن ربهم، وما سن وما شرع، وحكم وقضى وندب، وأمر ونهى وأدب، وعوه وأتقنوه، ففقهوا في دين الله وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتلقيهم عنه، وفهمهم المباشر منه، فشرفهم عزَّ وجلَّ بما منَّ عليهم وأكرمهم، إذ جعلهم موضع القدوة فنفى عنهم الشك والكذب، والغلط والريبة، وسماهم عدول الأمة وأوساطها بمقتضى قوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:١٤٣]، فهم عدول الأمة وأئمة الهدى، وحجج الدين، ونقلة الكتاب والسنة، وحملة الشريعة، وقد ندب إلى التمسك بهديهم والسير على منهجهم وسلوك سبيلهم فقال سبحانه: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:١١٥].

أيها المسلم -حفظك الله- اليهود يفاخرون بأصحاب موسى عليه السلام، ولا يرضون انتقاصهم أو الحط من قدرهم، والنصارى يفاخرون بأصحاب عيسى عليه السلام حواريه، ولا يقبلون الغض من شأنهم وانتقاص منازلهم، وأنت يا تابع محمدٍ صلى الله عليه وسلم أولى بالغيرة على أصحاب نبيك ومعرفة فضلهم وحفظ مكانتهم! بل إن ربنا جعلهم مثلاً لأهل الكتابين -التوراة والإنجيل- فهم خير الأمم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [آل عمران:١١٠] أمر نبيه بمشاورتهم لما علمه من صدقهم، وصحة إيمانهم، وخالص مودتهم، ووفور عقولهم، ونبالة رأيهم، وكمال نصحهم: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩] رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

إن كل خيرٍ فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم ودخول الجنة والنجاة من النار وانتصار الدين وعلو كلمة الله فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الأكرمون، الذين بلغوا الدين وأحسنوا في الاتباع، وكل مؤمنٍ آمن بالله ولرسوله فللصحابة رضي الله عنهم فضلٌ عليه إلى يوم القيامة، فالقرآن حق، والنبي حق، والسنة حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.