للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا ندعي عصمة الصحابة]

وجانب آخر: فإنهم مع هذا المقام الرفيع الذي بلغه جميعهم، والقدر العالي الذي حازوه كلهم، فإنهم غير معصومين، فالخطأ عليهم جائز، والغلط منهم واقع، غير أن هذا بابٌ له ضوابط ومدخل له مزالق، فهم تجوز عليهم الذنوب في الجملة الصغائر منها والكبائر، ولكن لهم من السبق في الإسلام، والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشر العلم، وتبليغ الدين، وطمس معالم الشرك وإذلال أهله، والذب عن حرمات الدين بنفوسٍ زكية وأرواحٍ طاهرة ما يكفر الله به عن سيئاتهم، ويرفع درجاتهم، فلقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وعفا عنهم.

يقول الذهبي رحمه الله: فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحدٍ منهم ولا يدعي فيهم العصمة، وما شجر بينهم نسكت عنه، وهم فيه مجتهدون إما مصيبون فلهم أجران وإما مخطئون فلهم أجرٌ واحد، والخطأ -بإذن الله وفضله- مغفور، والثناء عليهم من الله سابق، وما صدر عنهم من الخطأ والاجتهاد لاحق، محتمل التأويل، والمشكوك الموهوم لا يبطل المحقق المعلوم.

ويقول ابن معين رحمه الله: والإمساك عن ذكر الصحابة وذكر زللهم، ونشر محاسنهم ومناقبهم، وصرف أمورهم إلى أجمل الوجوه من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان الذي مدحهم الله عزَّ وجلَّ بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].

وبعد: فهؤلاء هم صحب محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فاحفظوا لهم حقهم وتقربوا إلى الله بحبهم، ورطبوا ألسنتكم بذكر محاسنهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:٢٩].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأقول هذا القول وأستغفر الله لكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.