للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم سب الصحابة]

الحمد لله القديم في سلطانه، العظيم في إحسانه، أحمده سبحانه وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوان الله وجنانه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فإن من سمات أهل الحق والإنصاف، وعلامات أهل الأثر والاتباع، ومقاصد الراغبين في السنة، سلامة قلوبهم، وحفظ ألسنتهم للصحابة الأخيار، وحملة الشريعة الأبرار، والذب عن حرماتهم وأعراضهم من لمز الجراحين، وغمز العابثين، وألسنة الحاقدين، واعتقاد فضيلتهم، وصدق خبرهم، وعدالة مسلكهم، والترضي عنهم والترحم عليهم.

فاحذر -رحمك الله- أن تكون ممن يغمس لسانه في البهت؛ فيسلب العدالة من الصحب الأطهار، ويلغ في الحرمات، وإياك أن تكون ممن جد وشد وتكلف في جمع المساوئ والعثرات، وجرأ السفهاء والغوغاء على الوقيعة بهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه: {لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه}.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [[لا تسبوا أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة خيرٌ من عمل أحدكم عمره]] وسمع ابن عباس رضي الله عنهما رجلاً يثلب من الصحابة، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: [[أمن المهاجرين الأولين أنت؟ قال: لا.

قال: أمن الأنصار أنت؟ قال: لا.

قال: فأنا أشهد بأنك لست من التابعين لهم بإحسان]]، وقال بعض السلف: لم يشغلك ذنبك، أما لو شغلك ذنبك لخفت ربك، لقد كان في ذنبك شغلٌ عن المسيئين، فكيف لم يشغلك عن المحسنين؟ أما لو كنت من المحسنين لما تناولت المسيئين، ولرجوت لهم أرحم الراحمين، ولكنك من المسيئين فمن ثم عِبت الشهداء والصالحين.

فاحفظ -حفظك الله- ثناء الله عليهم وعفوه عنهم ورضاه عليهم، ولا يكن في قلبك غلٌ على أحدٍ منهم، واستوص بهم خيراً، ففي سبيل ذلك تهون الأرواح، ولا تكن ممن يحترف الطعن وسوء الظن؛ فتتعب نفسك وتؤذي غيرك وتركض وراء السراب بشبهة أحاديث ضعيفة أو مكذوبة وقد تكون أخباراً لها محامل حميدة فتقلبها هفواتٍ ومثالب، وأعيذك بالله أن تقول: إن نبيك محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصحبه أصحاب السوء، وقد علمت أن من انطوت سريرته على محبتهم وسلم صدره من الغل عليهم فقد فاز بالمدح المدلول عليه بقول الحق سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].

ولينظمك الله في سلك من يكشف زوبعات المتعالين، وتبرئة الصحابة المتقين، ومناصرتهم من أقلام الحاقدين، وجهلة الأدباء والمؤرخين، وأهل الأهواء والمبتدعين، فمن خاض في هذه الميادين بجهلٍ أو هوى فَسَوَّد وحرَّف وقلب الحقائق، فأوغل الصدور بسوء الظن، وفرض احتمالاتٍ وخبط في تكهنات ليس لها أصل في الشرع، ولا مكانة في منصف العقل.

ألا فاتقوا الله جميعاً -رحمكم الله- واحفظوا إيمانكم وصونوا ألسنتكم، وأحبوا سلفكم، ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز قائلاً عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقية العشرة المبشرين، وعن أهل بدر والشجرة وعن جميع الصحب رضي الله عنهم أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك وجودك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى، وأصلح له بطانته، وأيده بالحق، وأيد الحق به، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!

اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعزاز دينك وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان وكل مكان يا رب العالمين!

اللهم سدد سهامهم وآراءهم، واكتب لهم النصر المؤزر.

اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم.

اللهم فرِّق شمل أعدائهم، وشتت جمعهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.