للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضول الطعام]

أما فضول الطعام: فالقائد إليه شهوة البطن، وما أخرج الأبوَين من الجنة إلا الرغبة في الأكل من الشجرة، فغلبتهما شهوتهما فأكلا، فبدت لهما سوءاتهما، والبطن ينبوع الشهوات، والمعدة منبت الأدواء والآفات، وما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن.

والاعتدال في الطعام يُورث الاعتدال في الطبع، والهدوء في القلب، وضعف الهوى، وقلة الغضب.

وقد أُثر عن بعض الحكماء: لا تأكلواً كثيراً، فتشربوا كثيراً، فتخسروا كثيراً.

ومن حكمة لقمان: إذا امتلأت المعدة، نامت الفكرة، وقلّت الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.

ويكفي وعيداً على الاسترسال في الشهوات قول الحق تبارك وتعالى في أقوامٍ يومَ القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف:٢٠].

أيها الإخوة! إن فضول هذه الأشياء إما أن تكون معاصي أو بريداً إلى المعاصي، وإن الصيام بحِكَمه وأسراره، والقرآن بهديه وآياته طريق جليٌ لتهذيبها، وسبيلٌ مستبينٌ لضبطها، توجيهاتٌ لإحكام لجام اللسان، وتقلبات البصر، وآداب في ضبط شهوة البطن والفرج، ذلكم هو الصوم في شيءٍ من حكمه وأسراره، يشعر العبد بضعفه وعجزه.

إنه الصيام! إنه منع مشروع من أجل تمام الخضوع والخشوع، إنه أستاذ الأمانة، ومعلم الصدق والمحاسبة، ومورث المراقبة لله رب العالمين، إنه السر بين العبد وربه.

فاتقوا الله -رحمكم الله- واعرفوا لهذا الشهر فضله، واحفظوا صومكم، وتعرضوا لنفحات ربكم، وأروا الله من أنفسكم خيراً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٥ - ١٨٦].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وأقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.