للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التواضع وعدم التكبر]

ومنها: التواضع وعدم الاستنكاف من الأخذ عن الأصاغر.

وطالب العلم ينبغي أن يتواضع في عدة أمور:

يتواضع مع العامة، ويتواضع مع زملائه، ويتواضع مع المشايخ، ولا يحتاج لأن نطيل في الوقفة عند هذه النقطة، فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه.

تواضع مع العامة، ولا تظن -يا أخي- أن التواضع يفقدك مهابة، ولا تظن أن التواضع يفقدك منزلة؛ بل إنه يرفعك، وهذا معروف، الناس تعرف المتكبر، لكن المشكلة أن المتكبر لا يعرف من نفسه أنه متكبر، وهذا من الضلال، والمتواضع تعرف أنه متواضع، وهو كبير عند الله وعند الناس، ومن تواضع لله رفعه.

فمن فضل الله لطالب العلم وعنايته به أن يرزقه التواضع، والبعد عن احتقار الناس، وبخاصة أهل العلم من الأقران وأمثالهم، وهمه الحرص على التحصيل والازدياد من طلب العلم في كل مراحله، ولو كان شيخاً حوله الحلق وحوله العمائم، وكذلك لا يستنكف عن الأخذ عن الأصاغر.

وقد قال عمر رضي الله عنه: [[تعلموا قبل أن تسودوا]]، وللعلماء فيه تفسيرات، بمعنى قبل أن تكونوا كباراً لكم مقام اجتماعي، وحينئذ الإنسان إذا كبر قد لا يتعلم، إما كبراً، وإما احتشاماً، وإما لكثرة المشاغل، وقيل: (قبل أن تسودوا) أي: قبل أن تخرج اللحية السوداء، الطلب في زمن الصغر، وقيل (قبل أن تسودوا) أي: قبل أن تتجاوزوا الكهولة ويبدأ الشيب وينتهي سواد اللحية، وقيل (قبل أن تسودوا) أي: قبل أن تتزوجوا؛ لأن من تزوج صار سيد أهله، وانشغل بأهله وخاصةً إذا ولد له.

ولهذا عقبها أبو عبد الله البخاري رحمه الله في صحيحه؛ لأنه أورده في صحيحه مقولة عمر: [[تفقهوا قبل أن تسودوا]] قال: وبعد أن تسودوا.

بمعنى: أن العلم لا ينتهي، ولهذا نقول: لا يستنكف الإنسان من أن يأخذ العلم حتى عن الأصاغر وأن يسأل، ولهذا قالوا:

وليس العمى طول السؤال وإنما تمام العمى طول السكوت على جهل

وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم، حتى أن أبا بكر الحميدي -وهو تلميذ الشافعي - يقول: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر، فكنت أستفيد منه المسائل، وكان يستفيد مني الحديث.

فـ الشافعي يستفيد من تلميذه الحديث؛ لأنه كان يرى أن تلميذه متميز في الحديث، وكذلك أيضاً كان الإمام الشافعي يقول لـ أحمد وكان أحمد من تلاميذه، يقول: إذا صح عندكم الحديث فأعلمونا نأخذ به.

وصح أن جماعة من الصحابة كانوا يأخذون عن التابعين.

فلا ينبغي للإنسان أن يستنكف من ذلك، وقد يكون مما يهدينا إلى هذا توجيه ربنا سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وأمره له بأن يقرأ على أبي بن كعب، ولهذا قال العلماء: إن هذا دليل على أنه لا يمتنع الفاضل من الأخذ عن المفضول.