للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المرأة بين الشريعة الإسلامية والتبعية المنهزمة]

والحق أن المسألة دائرة بين أمرين لا ثالث لهما: إما الإسلام كله، أو التبعية المنهزمة، إنهم في نظرتهم يريدون أن تكون المرأة نداً للرجل، ومماثلاً له، ومناوئاً له، ومتصارعاً معه، وفي نظر ديننا هي: شقيقة الرجل ووشقه ومتممه، وهو متممها، هو رجل محتفظ برجولته، وهي امرأة متميزة بأنوثتها، المرأة في مسلكهم آلت إلى سلعة في سوق النخاسين، في دُور الأزياء وعروضها، وغانية في سوق الملذات والشهوات، يستعبدها الرجل الذي يزعم تحريرها، يستمتع بها؛ لأنه لا يريد حريتها، ولكنه يريد حرية الوصول إليها، وفي نظر ديننا لا يجوز أن يكون تأمين العيش ومكافحة الفقر ومحاربة الجهل على حساب العرض والشرف، وفي ضياع الشرف ضياع العالم لو كانوا يعقلون: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة:١٠٣].

ليس من حقوق المرأة في ديننا حق الزنا، وحق الحمل من سفاح، وحق الشذوذ والسحاق، وليس من حقها أن ترفض الدين وأحكامه، وتقول: إنه متخلف ومعادٍ للمرأة وقيد على حريتها، حقوق المرأة مقرونة بمسئوليتها في الأمومة ورعاية الأسرة.

حقوق المرأة تُؤخذ وتُمارس من خلال الحشمة والأدب، محوطة بسياج الإيمان بالله في أمة واحدة متكاتفة متآلفة، وليست متنازعة متصارعة: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:١٩٥]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧].

أما المرأة عندهم ذات الحقوق: فهي المتمردة على بيتها وأطفالها وشئون منزلها؛ لأنهم يقولون: إن ربة البيت داخل بيتها ذات عمل لا مردود له.

ويقولون: إن خدمتها في بيتها مجانية وعملها في بيتها عمل غير منتج؛ فالتحرير لا يتم إلا بالتدمير: تدمير الأسرة وتدمير القيم؛ ألا شاهت الوجوه وسُدت الأفواه!

تربية النشء وحفظ الكرامة والاستقرار العائلي والهدوء النفسي ليس له مردود وغير منتج! هكذا قاس قائسهم وقدر مقدرهم ألا: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر:١٩] {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر:٢٠].

أيها الإخوة! وإنكم لتعلمون ويعلم كل عاقل منصف أن المرأة التي أخرجوها من خدرها وقرارها المكين مهما تحدثوا عنها، وأعطوها ومنحوها، ودافعوا عنها؛ فقد جعلوها في الصفوف الخلفية في الأهمية والقدرة والمرتب والطاقة، مهما أبلت وبذلت من جهد وعرق وساعات عمل، لماذا فعلوا ذلك؟ لأن موازينهم مادية بحتة، وأصحاب رءوس الأموال وأرباب المصانع والمتاجر لا يؤمنون إلا بالنفعية، وما دام أن المرأة خرجت من بيتها، واحتاجت إلى العمل، فلماذا لا تستغل ويحقق فائض الربح من خلالها؟ ومن ثم كان لزاماً على المرأة المسكينة أن تواجه وحدها وبمفردها جفاف هذا المجتمع وغلظة هذا التعامل، أصبحت الضحية الأولى التي تنعكس عليها تناقضات ذلك المجتمع وعلومه، فهي راكضة بائسة تركض في مبدأ حياتها لتتعلم، ثم تركض لتعمل وتكسب وتعيش، ثم تركض وراء الأزياء ولفت الأنظار لعلها تجد من يلتفت إليها بلا عقد ولا ميثاق غليظ، وهكذا تعيش حاضراً لا طعم له، ومستقبلاً مكشراً تلقي بنفسها بين فكيه وحيدة منبوذة، وما هي إلا إفرازات البيوت الخربة، والمسئوليات الضائعة حين ألقاها الرجال عن كواهلهم، فهل ينبه لذلك الغافلون؟! ويا ليت فئات من القوم يعلمون! {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٧١].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.