للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بزوغ فجر الإسلام]

أيها المسلمون! جاء الإسلام وأمم الأرض تشتبك في حروب لا تحصى، ولأغراض من المطامع شتى، دول في القديم كبرى، كان القتال بينها سجالاً، فنيت فيها جيوشها، وناءت بمغارمها شعوبها، ولم يكن وقود تلك الحروب إلا مطامع الكبار، ولم يشعل فتيلها إلا شهوة التوسع، والمباهات في الاستبداد.

لقد جاء الإسلام وجاءت حضارته والعالم تحكمه قوانين الغاب، وتسوده شريعة الوحوش، القوي يقتل الضعيف، والمسلح ينهب الأعزل، والحرب تنشب من غير قيد أو حد، فكل من ملك قوة امتطى صهوة جواده، وشهر سلاحه، ليستذل الأمة الضعيفة على أرضها، ويغلبها على قوتها، ويكرهها على عقيدتها، فيشعلها حرباً آثمة، ويوقدها على الضعفاء ناراً تلظى.

وأما العرب أنفسهم في تلك الأحقاب فقد أكلتهم غاراتهم، فكان الاقتتال لهم طبعاً، والقتل بينهم عادة، حتى إذا لم يجدوا غارة على البعيد أغاروا على القريب، فهم على بكرٍ أخيهم إن لم يجدوا إلا أخاهم.

وفي هذه العصور المظلمة، والظروف الكالحة تفجر ينبوع الإسلام؛ فلانت القلوب الصلبة؛ وترطبت الغصون الجافة، وأقبل فيه العالم على دين جعل الإيمان صنو الأمان، والإسلام قرين السلام، فانحسرت مطامع النفوس، وتجافت وساوس الشيطان، تقاصر العدوان على الحقوق.

ثم كان النداء لأهل الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠].

بهذه الروح وبهذه المبادئ انتشر الإسلام في سنواته الأولى، حتى بلغ مشارق الأرض المعمورة ومغاربها، في أقل من قرن من الزمان، ومن المعلوم قطعاً أن المسلمين لم يكن لهم في ذلك الوقت من القوة العددية، ولا من الآلة العسكرية، ولا من تقنية الاتصالات، ولا من وسائل المواصلات ما يُمكِّنهم من قهر الشعوب على ترك دينها، ولا فرض الحكم على الديار التي دخلوها، لولا أنه دين حق، وحضارة سلام، وسياسة عدل، فالشعوب المفتوحة لم تدن بالإسلام، ولم تتعلم لغة القرآن، ولم تخضع للمسلمين إلا لما ظهر لها فيه من الحق والرحمة والعدل الموصل لسعادة الدنيا والآخرة.

إن الإسلام دين الفطرة، سمته البارزة وعلامته المسجلة نشر الحق، وفعل الخير، وهداية الخلق: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:٧٧] تلكم هي حقيقة الإسلام ووظيفته التي يجب أن تعرف في أروقة الأمم، ومحافل الدول، ومجامع العالم.