للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفريق بين خطأ الإهمال وخطأ الاجتهاد]

أيها المربون: يحسن التفريق بين الخطأ الناتج عن الإهمال والتقصير، والخطأ الناتج عن الاجتهاد والمحاولة، فالخطأ الناتج عن الإهمال والتقصير يستحق المحاسبة والعتاب.

أما الخطأ الناتج عن الاجتهاد والمحاولة فحقه التشجيع، ينبغي أن يتربى الطفل على أن خطأه بعد المحاولة والاجتهاد ليس مما يعاب، ينبغي أن يُعوَّد على الشجاعة والإقدام، والاعتراف بالخطأ، والسعي في تصحيحه، إذا رأيت كبيراً راشداً يرى أن في الاعتراف بالخطأ غضاضة وعيباً فاعلم أنه قد نشأ على أسلوب في التربية خاطئ ومضطرب.

إن الطفل وهو يعيش التجارب والمحاولات ويمر بالظروف والمتغيرات، ينبغي أن يحاط بالأمان والثقة، ويمنح فرص الاختيار وتنمية الإحساس بالمسئولية، وتحمل نتائج الأعمال، إنه يتلذذ بالإنتاج والنجاح، وكذلك بالإنجاز، ويتوقف ويتألم عند الفشل والإخفاق، لا ينبغي أن نقطع عنه ذلك وأن نحيطه بجو من الحساب والعتاب بل ينبغي أن يحاط بجو من الثقة والشفقة، والتقدير والاعتبار.

إن المربي الذي يسلك أسلوب القسوة والتملك والصرامة المفرطة، لا تراه إلا شديد المطالبة بحقه، يفرض الطاعة فرضاً، ليس له هم إلا تنفيذ أوامره وحفظ حق نفسه واحترام سلطته، يقابل ذلك مربٍ مهمل متساهل ميال إلى سرعة الاستجابة لمطالب الطفل، لا يكترث بحقوق نفسه، غير قادر على ضبط مسالك طفله ولا يعتني بقضايا أبنائه.

أيها الإخوة: إن كلا المسلكين لا ينتج إلا ضعيف الشخصية، المنطوي على نفسه، المعتمد على غيره، بل قد يكون عدواني النزعة، إنها تربية على المكر والاحتيال والكذب وعدم الصراحة، كما تورث الذلة والهوان، والجبن والخور.

أيها المربي الفاضل: إن المسلك الرشيد وسط بين هذا وذاك، إن الأب المربي، الحافظ لحقه، المدرك لمسئوليته، المتوازن في مطالبه يعرف للطفولة طبائعها ومطالبها، لا يتبرم من كثرة أسئلتها، ولا يضيق بآرائها، حريص على تنمية مدارك الطفل العقلية والنفسية، يعيش الأطفال في هذه الأجواء في ضبط حازم ملتزمين بالآداب والنظام، يقبلون التوجيه، شخصيتهم الفردية محترمة، فرص الابتكار لهم متاحة، وممارسة المهارات متوفرة، أسلوب يوازن بين الانضباط والاستقلال، تتحمل فيه الناشئة مسئوليتها الفردية والجماعية.