للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات القلب السليم وفضل أكل الحلال]

الحمد لله رب العالمين؛ ربانا وربى جميع الخلائق بنعمه، لا إله غيره، ولا معبود بحقٍ سواه، أحمده سبحانه وأشكره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسبغ علينا نعمه، وأغنانا برحمته من واسع فضله، أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، وهو طيبٌ لا يقبل إلا طيبا.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، فبشر وأنذر وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون! اتقوا الله ربكم، وأخلصوا دينكم لله، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، ادعوه مخلصين له الدين، فبالدين الخالص، والعمل الصالح؛ تصلح الحياة وتزكو النفوس، ويستقيم أمر الدنيا والآخرة.

الدين الخالص والعمل الصالح يثمر سلامة القلب، وإذا سلم القلب استقامت الجوارح، وصلح الجسد كله.

القلب السليم مملوءٌ بمحبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرغبة في الطاعة، والنفور من المعصية.

صاحب القلب السليم يسير على نورٍ من الله مجتنبٌ للمحرمات، متوقٍ للشبهات، يترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وبالمقابل فبمرض القلوب وفسادها؛ يغلب الهوى، وتنبعث النفوس إلى المعاصي وتغرق بالشهوات، وتضل بالشبهات، فيحل الضعف، وينتشر الفساد، ويعم التحلل والانحلال، وإن مما يتميز به مرضها وسلامتها واعوجاج الجوارح واستقامتها مسائل الحلال والحرام، أكلاً وشرباً، ولبساً وتعاملاً.

ولقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: {إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام} وماذا بعد ذاك أيها المسلمون؟ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

أيها المؤمنون: الحلال بَيِّن، وطلب العيش مشروع، وأبواب الحلال واسعة، ونعم الله متكاثرة، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس.

ولكن قوماً يأبون إلا عبادة الدرهم والدينار، يستمرئون أكل أموال الناس بالباطل، من غير ورعٍ ولا حياء، ولا مروءة ولا كرامة، فويلٌ لهم مما يكسبون، الرزق مكتوب، والأجل محتوم، ومصير هذه الدنيا إلى الزوال، والمآل إلى الحساب، إذا استغنى العبد بالحلال عن الحرام، فالله يكلؤه برعايته، ويحفظه بعنايته، يحفظه في نفسه، ويحفظه في عقبه وذريته، ويحفظه في ماله، ويبارك له في سعيه، يقول ابن المنكدر: [[إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر]].

جاء عن بعض السلف: خمس خصال بها تمام العمل: "الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة؛ لم يرتفع العمل".

ومن تعفف عن الحرام والمشتبه؛ أمده الله بتوفيق من عنده، وجعل غناه في قلبه، وأصلح له شأنه، أما من ركبه الشيطان وساقه الهوى، وقادته النفس الأمارة بالسوء، فاقترف المحرمات، وخاض في الشبهات، ودخل مواطن الريب؛ فقد فتح على نفسه أبواب الشر والهلكة، ولا يلومنَّ من أساء الظن به، ومن وقع في الشبهات؛ وقع في الحرام، ومن تهاون بالمحقرات؛ اجترأ على الكبائر.

عباد الله: إن من ضيع أمر الله؛ ضاع بين خلقه، بل يدخل عليه الضرر والأذى ممن يرجون نفعه وفضله، يتسلط عليه أقرب قريب من أهله وعشيرته.