للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاجتهاد في تطبيق مناسك الحج حسب سنة رسول الله]

توجه إلى عبادة ربك على علم وبصيرة، وتعلم من أحكام الحج ما تصح به مناسكك، واسأل أهل العلم فيما أشكل عليك، اشتغل بما يقربك من ربك ومولاك، مدركاً عظم الفريضة التي أنت فيها، والعبادات التي أنت مقبلٌ عليها، والبقاع الشريفة التي تتعبد الله فيها، قَوِّ الصلة بربك في سفرك وإقامتك، وحِلِّك وترحالك، مستعيناً بالله، متوكلاً عليه، أحسن الظن بربك، فهو سبحانه أكرم من أن يخيِّب سعي القاصد لكرمه، أو يحرم مِن رحمته الواسعة مَن لاذ بحرمه، ربك كريم جواد، إن سألته أعطاك، وإن دعوته أجابك: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩] أكثر لله خضوعك وانكسارك، وداوم على التكبير والتهليل والدعاء والتضرع بحضور قلب وإخلاص سر.

هل تأملت كلمات التلبية التي يضج به الحجيج، وترتج لها جنبات المشاعر؟!

إنها كلمات موجزات تتضمن معاني ساميات، وأهدافاً عاليات: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).

ففي التلبية من كليات العقيدة ما يشير إلى الحكمة من اختيارها شعاراً وذكراً في هذا الموسم العظيم لهذا الجمع العظيم.

التلبية إجابة دعوة الله لخلقه حين دعاهم إلى بيته، فالملبي مستسلم منقاد، مستجيب مقيم على الطاعة.

في التلبية توحيد الله سبحانه، وإفراده بالعبادة، ونفي الشريك عنه، فيها من حمد الله والاعتراف بنعمه ما يورث طمأنينةً في النفس، ويفيض بالأمن والأمل والرضا والتفاؤل.

في التلبية الإقرار بالملك لله وحده، فهو سبحانه الملك المتصرف، فمَن هو هذا الضال الذي ينسب التصرف لأحد غير الله في السماوات ولا في الأرض؟!

إن التلبية نداءٌ للملأ الأعلى ليتجرد الحجيج كلهم من المادية وطغيانها، ويعلنوا المساواة التامة والأخوة الكاملة، لا فرق بين حدودها وألوانها وأجناسها ولغاتها أمام خالقها الواحد الأحد، فكلهم لآدم وآدم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم.

هذه بعض تأملات في ألفاظ التلبية، كيف لو تفتحت الأبصار والبصائر في النظر في حكم المناسك وأسرار العبادات، فلسوف تعود هذه النفوس المتأملة أقوى إيماناً، وأحسن إسلاماً، وأخلص عقيدةً، وأنقى سريرةً، وأعف جارحةً، وأطهر معاملةً، وأزكى نفساً، وأكرم خلقاً.