للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب الاهتمام بالتوحيد]

عباد الله: ما كانت هذه الأدلة المتكاثرة، والحجج المتظاهرة، والبراهين المتواترة، إلا لعظم الأمر، وخطر شأن القضية، وشدة شأن الخوف على الناس من الانحراف والقلوب من الزيغ.

ولماذا لا يُخاف عليهم والشياطين ما فتئت تترصد لبني آدم تجتالهم وتغويهم؟ وفي الحديث القدسي: {خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنَزِّل به سلطاناً} رواه مسلم وأحمد من حديث عياض بن حمار المجاشعي.

كيف لا يكون خوفٌ والرسول صلى الله عليه وسلم خاطب أصحابه الصفوة المختارة من الأمة: {أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر}؟!

ويزداد الخوف حين يتأمل متأمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: {الشرك أخفى في الأمة من دبيب النمل} بل لقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن فئاماً من الأمة تعبد الأوثان، وقبائل تلحق بالمشركين.

والحافظ ابن كثير رحمه الله يعلق على قول الله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨] قال رحمه الله: فيه تشديد لأمر الشرك، وتغليظ لشأنه، وتعظيم لملابسته.

لماذا يا عباد الله لا يُخاف الخللُ في التوحيد والنقصُ في صدق التعبد والتعلق؟! لماذا لا يُحذر من الشرك وأنواعه وأسبابه، والله عز وجل يقول في محكم تنزيله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦]؟!

قال بعض أهل العلم: في هذه الآية دلالة على ما يتخلل بعض الأفئدة، وتنغمس فيه بعض النفوس من الشرك الخفي الذي لا يشعر به صاحبه غالباً، فمثل هذا وإن اعتقد وحدانية الله، لكنه لا يخلص له في عبوديته، فيتعلق بغير ربه، ويعمل لحظ نفسه، وطلب دنياه، أو ابتغاء رفعة أو منزلة، أو قصد إلى جاه عند الخلق، فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخَلْق نصيب، والله أغنى الشركاء عن الشرك.