للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرعاية والخدمات الاجتماعية في عهد عمر بن عبد العزيز]

أما الخدمات في عهد عمر بن عبد العزيز، فنورد منها ما يلي:

أولاً: اعتنى بالفقراء، وسوَّى بين جميع المسلمين في العطاء، وكان كل والٍ من ولاته يحصي عدد فقراء ولايته، ويقدم لهم المرتبات الشهرية والإعانات حتى يعيش عيشة الكفاف.

ثانياً: فرض لكل مولود يولد في الإسلام مرتباً يعيش منه، كما جعل الحد بين عطاء الرجل والطفل من الخامسة عشرة، فكان يعطي الذي يبلغ هذا السن غير ما يعطيه لمن جاوزه.

ثالثا: كانت السُّخْرة منتشرة -أي: إجبار الناس- قبل عمر، فأمر بإبطالها، ومنعها منعاً باتاً، وعُنِي بالمساجين، ففصل بين المجرمين الأشرار، وبين من يُحبَس لأجل الدين، وأوقف للجميع مرتبات يتقاضونها، كما كان يقدم إعاناتٍ لعائلات الفقراء منهم.

رابعاً: أقام عمر بن عبد العزيز مطاعم عامة، وكان الطعام يقدم فيها مجاناً للفقراء، وكذلك أمر بإحصاء أبناء السبيل والمرضى وذوي العاهات، وأمر بقائدٍ لكل أعمى، وبخادمٍ لمن لا يستطيع القيام، قالوا: إن المقصود بالقيام هنا: القيام للصلاة.

خامساً: خصص للفلاحين عشرات الألوف من الدنانير تقدم لهم ليستعينوا بها على إصلاح أراضيهم واستغلالها، كما رفع عنهم كثيراً من الضرائب والمكوس.

سادساً: كان يفرض لكبار السن مرتباً شهرياً، وكذلك اعتنى بالعاجز والمريض، وقد كتب إليه والي الكوفة ذات مرة يقول: إنه قد بقي لديه من المال الكثير، فكتب إليه عمر: انظر من كانت عليه جزية من أهل الذمة، فضعُف عن أرضه فأسْلِفْه حتى يقدر على عمله، وفي بعض النقول أن والي مصر كتب له: إنه قد فاض المال، فقال: تلمس المحتاجين، قال: قد فاض المال، قال: أعط أصحاب الجزية كما هنا، قال: قد فاض المال، قال: اشتر رقاباً، فأعتقها في سبيل الله.

ولعلكم بهذه النماذج تدركون أن ما أثبتته البحوث المعاصرة حول مبادئ الرعاية الاجتماعية الحديثة، وأيضاً ما سموها بمبادئ الديمقراطية التي تعمل على نشرها بالوسائل المختلفة، وتساعد الناس على السير عليها، تلاحظون أن كل ذلك كان أصيلاً في الإسلام، بل وإن التعاليم والمبادئ الإسلامية أكثر تقدماً وأوسع أفقاً من هذه المبادئ المعاصرة، وإن الناظر في المدارس والأوقاف وطرق تنظيمها وشروط واقفيها لَيُدْرك بجلاء أننا لا نتكلم عن مثالياتٍ لا تطبيق لها، ولكن الأمة مع الأسف حين يصيبها الضعف، فإنها تضعف من داخلها، وتنهزم في روحها، وتتعلق بالقوي، وتسير في ركابه، وتعجز أن تثق بنفسها.

ولمزيدٍ من تأكيد أصالة الأمة، ووضوح التصور عندها، فهذه وقفاتٌ عند بعض نماذج وصور من الرعاية وميادينها.