للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عزة الإنسان وكرامته لا تقبل الفاحشة]

الحمد لله حمداً يليق بجلاله، والشكر له على جزيل إنعامه وجميل إفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله الصادق في مقاله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه وآله والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه رحمكم الله، اتقوه تقوى مَن أناب إليه، واحذروه حذر من يؤمن بيوم العرض عليه، واعبدوه مخلصين له الدين، وراقبوه مراقبة أهل اليقين، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

أيها المسلمون: لا يتفاضل الناس في مراقي الشرف والمجد، إلا بمقدار ما تتمتع به النفوس من ضبط السلوك وقوة الإرادات، فالرجل ذو العزيمة يتجلى فيه مظهر الكرامة الإنسانية مطبوعاً على أجمل صورة من الكمال والنبل، وبسبب ضعفها وهوانها ينزل المرء من سماء الإنسانية العالي ليكون أشبه بالحيوان ساقطاً مهملاً، قيمة المرء إباؤه وعزيمته، وميزانه نزاهته وسمعته، وشرفه في طهارة عرضه، وبياض صفحته، ونقاء ذيله.

لقد كان الشرفاء الأحرار في كل الأمم حتى في عصور الجاهلية المظلمة يعتزون بشرف سمعتهم، وصيانة أعراضهم، ويقفون دونها أسوداً كاسرة ونموراً مفترسة، يغسلون إهانة أعراضهم بأسنة رماحهم وحد سيوفهم، لا ينامون على إهانة، ولا يصبرون على عار، ولا يقبلون ذلة، ولقد قالت هند بنت عتبة وهي تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَوَ تزني الحرة يا رسول الله؟!}.

أيها الإخوة: يثار هذا الموضوع وتقلب صفحاته وأهل هذا الزمان في كثير من الأقطار يعيشون في عصر يوشك أن تسود فيه الإباحية ليجعلوا من ارتكاب الفواحش والموبقات حاجات بدنية لا يعاقب عليها القانون، ما دامت محفوفة بالتراضي.

ومما يكشف ذوبان الهمة وموت الإنسانية حين يشاهَد رجلٌ ينقاد للبهيمية، فيأتي الفاحشة ويعانق الرذيلة، ويشتد الخزي ويعظُم الشنار، حين لا يكون مستوراً عن الشاهدين والمشاهدين.

إنها حضارة البهائم في تلك الديار في حدائقها ومتنزهاتها وشواطئها وأفلامها وقنواتها.

من أجل هذا -أيها الإخوة- فهذا حديث عن جريمة من أبشع الجرائم، وفاحشة من أكبر الفواحش، وموبقة من أكبر الموبقات، تتجلى فيها هذه البهيمية المغرقة، جريمة تفقد الشهامة، وتذهب بالمروءة، يحل مكان العفاف فيها الفجور، وتقوم فيها الخلاعة مقام الحشمة، وتطرد فيها الوقاحة جمال الحياء.

إنها جريمة الزنا، كم جرَّعت من غُصة! وكم أزالت من نعمة! وكم جلبت من نقمة! وكم خبأت لأهلها من آلام منتظَرة وهموم متوقَّعة وهموم مستقبَلة!

العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما السماع، والفم يزني وزناه الكلام والقُبَل، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى؛ والفرْج يصدِّق ذلك أو يكذِّبه.