للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العدل في الأقوال]

والعدل -أيها الإخوة- كما يكون في الأعمال والأموال فهو مطلوب في الأقوال والألفاظ: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:١٥٢].

ولعل العدل في الأقوال أدق وأشق، وصاحب اللسان العدل يعلم أن الله يحب الكلام بعلم وعدل، ويكره الكلام بجهل وظلم {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٣].

تأملوا هذا الإنصاف النبوي في القول، حينما أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكمه على كلمة قالها شاعر حال كفره، حين قال عليه الصلاة والسلام: {أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل}.

ثم هاهو عثمان بن مظعون رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يسمع البيت كاملاً، فيترتب النهج المحمدي نفسه بالتقويم والعدل، فيحق الحق ويقول القسط، فقال في شقه الأول: [[صدقت، ولما قال الشطر الثاني: وكل نعيم لا محالة زائل.

قال: كذبت، نعيم الجنة ليس بزائل]].

أيها الإخوة: لم يكن كذب الشاعر في الشطر الثاني بمانع عثمان رضي الله عنه من أن يقر له بالقسط والحق في شطره الأول.

وهذا علي رضي الله عنه يقاتل من خرج عليه، فلما سئل عنهم أمشركون هم؟ قال: [[هم من الشرك فروا، قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟! قال: هم إخواننا بغوا علينا؛ فقاتلناهم ببغيهم]].

ومن لهذا العدل من القول غير أبي الحسن رضي الله عنه وعن ذريته الطيبين الطاهرين؟! وهل بعد هذا الإنصاف من إنصاف؟!

والنووي رحمه الله يقول: وينبغي ذكر الفضل لأهل الفضل ولا يمنع منه شنآن أو عدل، والعبد إذا وجد العدل وحب القسط، علم الحق، ورحم الخلق، واتبع الرسول، واجتنب مسالك الزيغ والبدع، هكذا يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.