للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوحيد والحج]

في كل الأزمان والأعصار تخوف من إمام النبوة الأولى إبراهيم عليه السلام، فالحج من أظهر مظاهر التوحيد، وهو من أكثر ما يخاف منه لأنه بالنسبة لـ منى وعرفة والمسجد الحرام ومكة المكرمة وغار حراء وغار ثور كلها مواطن شريفة ومقدسة، ولاشك أنها تبعث في المسلمين ذكريات جميلة، لكن مع الأسف لا تعود الذكرى ولا أي شيء منها وإنما يرون الأطلال، ولا شك أنك ترى الأرض التي نشأ عليها محمد صلى الله عليه وسلم ومشى عليها أبو بكر وعمر وعلي والصحب الكرام ودار الندوة، ولا شك أنها تحكي تاريخ الإسلام لكننا لا نعبدهم من غير الله، ولا نستكين لهم كما هي الانحرافات الموجودة.

فمظاهر التوحيد في الحج سنقف عندها وقفة إلى حدٍ ما ولهذا نقول في التلبية: (لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).

فأقف عند التلبية وأبسطها قليلاً من حيث إنها تجسد التوحيد كله، فالعلماء قالوا: إن توحيد الألوهية متضمن إثبات الربوبية، وإثبات الربوبية مستلزم إثبات الألوهية، ولهذا لا تجد أحداً يوحد الله في الألوهية إلا وقد وحد في ربوبيته.

فأنت قل: لبيك اللهم لبيك ولهذا قل: إن الحمد والنعمة هذا التوحيد فيه ربوبيات بالتفصيل كما سنرى، لكن من الناس من يوحد الله في الربوبية لكنه لا يوحده في الألوهية، ولهذا كان من يوحد الله في ربوبيته ولا يوحده في ألوهيته كافراً، إذا كان موحداً في الربوبية فعلينا أن نعلمه توحيد الألوهية، ولهذا صاغ العلماء هذه القاعدة: توحيد الربوبية مستلزم توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية متضمن توحيد الربوبية.

فهذا المقصود منه هو: الملك لا شريك لك، إثبات لتوحيد الربوبية، وقوله وحدك لا شريك لك هذا توحيد الألوهية، وفي قوله: إن الحمد والنعمة لك، هذا يدل على توحيد الأسماء والصفات، فالحمد وصف للكمال، والنعمة من صفة الأفعال، فقد تضمنت توحيد الأسماء والصفات، بل إن قولنا الأسماء والصفات حين نوجدها لربنا، فإننا نقول: إثباتاً بلا تكييف، وتنزيهاً بلا تعطيل، فهل هذا في التلبية؟ نقول: نعم.

نحن عندما نثبت الأسماء والصفات نثبتها بلا تكييف ولا تمثيل، ونثبت حقيقتها مع اعتقاد أنها ما زالت عليه من غير تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه، لأنه قال: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وحتى في الأسماء والصفات كلمة التلبية تضمنت مجموعة التوحيد الثلاث: الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات.