للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تنتظر النتائج]

عليك ألا تنقطع: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:٢١] وليس عليك القبول {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢].

إذاً: مهمتك أن تذكر، وأن تبين، وأن تجتهد، وأن توضح، وأن تسلك كل مسالك التفكير، وكل مسالك البيان والإيضاح، وتجدد وتطور في أساليبك، وأشياء كثيرة، لكن: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:٢١] وما وراء ذلك ليس إليك {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢] أي: لست مسيطراً على عقولهم.

إذاً: لا شك أن الأمور الأخرى فيما يتعلق بالمنكر، وفيما يتعلق بتوجيه الناس، وفيما يتعلق بما هو من الشرع، كالحدود والتعزيرات هذه أشياء أخرى معروفة، لكن لا تتهم نفسك حينما تذكر، ولا تظن أنك أنت مقصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يوم القيامة: {يأتي النبي وليس معه أحد} وهو نبي مؤيد بالمعجزات والآيات والنذر، ومع هذا لا يتبع، فكونك لا تتبع، أو لا يستجاب لك، أو تكون الاستجابة ضعيفة؛ ليس اتهاماً لك، ولا أنك مقصر، فمهمتك أن تذكر، ومهمتك -لا شك- أن تراجع نفسك وتحاسبها، مثلاً: بالتذكير، والنظر في الوسائل، والنظر في الأسباب، لكن لا تنتظر الاستجابة، فإن الاستجابة بيد الله عز وجل.

وهنا آيات كثيرة في هذا الباب، يقول الله عز وجل: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٣] وهنا حصرٌ أيضاً في أن مهمتك النذارة فقط، ويقول: {وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف:٩] ويقول: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} [البقرة:١١٩] بشارة ونذارة، لكن: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة:١١٩] فليست مسئوليتك أن يهتدي الناس، وليست مسئوليتك أن ترى نتاج عملك، وإن تره فهذا لا يعني على أنك فاشل، لماذا؟ لأن هناك عوامل كثيرة في طبيعة النفس البشرية، وحكمة الله سبحانه وتعالى، وأشياء كثيرة صوارف، وموانع، ومعوقات، فالقضية هي أن تعرف وظيفتك.

النبي صلى الله عليه وسلم دعا ثلاثاً وعشرين سنة، بعض الناس استجاب من أول وهلة، كـ خديجة رضي الله عنها، وأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، هؤلاء من أوائل من أسلم، بينما تأخر إسلام بعض الناس إلى أكثر من عشرين عاماً، كـ أبي سفيان، وسهيل بن عمرو، وخالد بن الوليد، فالاستجابة ليست لك.

ولهذا الله عز وجل يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} [الرعد:٣١] فالأمر ليس إليك، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم مأمور أن يصرح به، ولهذا يقول: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الشعراء:١١٥] ويقول: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [ص:٨٦] ويقول: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:٩٩].

القضية فعلاً ليست خاضعة لموازين بشرية، وإن كانت هناك -كما سوف نرى بعض أشياء تتعلق بالاستجابة- قضية أنه مهمة الواعظ والمذكر والمربي والموجه والمعلم أن يجتهد في نفسه، لأن وظيفتك أن تعمل، وأن تذكر، وأن تجتهد، لكن النتائج هذه زيادتها ونقصها ليست دليلاً على فشلك، أو نجاحك.