للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من هو المنتفع بالذكرى]

قضية أخرى في التذكير: وهي أنه إذا كان خطابنا الأول للمذكِّرين والوعاظ، الآن نأتي إلى المخاطَبين المذكِّرين.

الله عز وجل يقول: {فَذَكّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:٩] وبعدها: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:١٠].

إذا كنا تحدثنا قبل قليل عن المذكرين، وقلنا: ينبغي أن يفعلوا كذا وكذا وكذا، الآن نخاطب الذين يستمعون: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:١٠] هنا ينبغي -يا أخي- أن تقف مع نفسك وقفة المحاسب، لماذا تسمع الوعاظ، وتسمع المذكرين، وتتلى عليك آيات الله، وعندك وسائل في المسجد، في الشريط، في الإذاعة، تقرأ كتاباً، تقرأ نشرة، ومع هذا لو راجعت نفسك لوجدت شيئاً من القصور، فعليك أن ترجع إلى نفسك، الله عز وجل يقول: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:١٠] ويقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥] ما تنفع كل واحد.

ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:١ - ٣].

إذاً: قضية الإيمان وقضية الخشية أشياء داخلية، ويقول: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً} [يس:٧٠] سماها حياة، فالقرآن ينذر من كان حياً {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس:٦٩ - ٧٠].

إذاً: إذا أردت أن تحاسب نفسك بصدق، وأن تقف موقف المراجع لنفسه أمام وعظ الواعظين، وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، ولهذا أكثر ما قال الأنبياء لأقوامهم: {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٧٩] إن القضية خطيرة أيها الإخوة.

أسألكم بالله: إذا مر عليكم عضو الهيئة، أو مر عليكم رجل محسن، أو خير، وقال: يا إخواني الصلاة، أو قال لكم: هذا كذا، أو السنة كذا، بالله هل يتعظ قلبك؟ هل تجد تثاقلاً؟ هذا خطير يا أخي! وقال هود لقومه: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٧٩].

فعليك أن تراجع نفسك -خاصة في وقتنا الحاضر- فكم يمر عليك مسائل خير، وبخاصة في إعلامنا -ولله الحمد- ففيه إيجابيات كثيرة جداً؛ إذاعة القرآن الكريم، برامجنا الدينية والتثقيفية الجميلة، في كثير منها كم يمر عليك، وأنت تفتح السيارة هذه آيات الله تتلى، وهذه مواقف من القرآن، وهذه مواقف من السنة، وهذه مواقف من السيرة، بالله ما اجتهدت أن تقف مع نفسك موقف محاسب! إذا لم يكن ذلك فارجع إلى هذه الآية: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:٩ - ١٠] إذا كان في قلبك خشية، وفي قلبك حياة {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً} [يس:٧٠] وكان لك قلب {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧] السمع هذا سمع خاص -وسوف نشير إليه بعد قليل- وليس مثل كمن يسمع من أذن ويخرج من أذن أخرى، إنه سمع معين نشير إليه -إن شاء الله- بعد قليل.

إذاً: هذا خطاب للذين يستمعون الذكر ويستمعون التذكير، أن ينظروا في قلوبهم، وينظروا مدى استجابتهم، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأنعام:٣٦] ويقول في الآية التي قبلها: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا} [الأنعام:٣٤] هذا كله تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} [الأنعام:٣٤ - ٣٥] وهذه تتعلق بـ {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:٢١]، ولا مانع أن نعيد الكلام فيه.

هذا الخطاب من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، مما يدلك: على أن القرآن من عند الله، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بلغه من عند ربه، حتى الأمور التي تتعلق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وما يدور في صدره بينها القرآن.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يشق عليه ألاَّ يصدقه قومه، وكان يشق عليه أن يعرض قومه، فقال الله له: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} [الأنعام:٣٥] إن كان شق عليك أنهم أعرضوا {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} [الأنعام:٣٥] ماذا تفعل؟

تصعد إلى السماء لتأتي بآيات، أو تفتح أنفاقاً وتأتي بآيات، هذا ليس إليك، إن مهمتك البلاغ.

سبحان الله! الخطاب القرآني والتجسيد القرآني لموقف النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، الرسول صلى الله عليه وسلم كان مشفقاً على قومه، بل حريصاً عليهم يريد أن يسلموا، أولاً: لأنه مقتنع بما جاء به، وهو أيضاً يرسم الطريق للدعاة، وكان يتحرق قلبه عليه الصلاة والسلام في سبيل أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} [الأنعام:٣٥] إن كان شق عليك أن أعرضوا، ليس بيدك شيء: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ *