للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف النبي صلى الله عليه وسلم لحقيقة الدنيا]

نختم بحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجسد الموضوع وتعطينا خلاصةً لما سبق، قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: {يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت} أكثر ما يبتغي الناس في الدنيا المال، وحقيقة المال أنه إذا كان عندك ملايين في البنك، أو ذهب وفضة مكدسة؛ لن تستفيد منها إلا ما كان على ظهرك من نسيج، وما دخل جوفك من أكل، وكذلك إذا بنيت لك مسكناً، هذه فقط، ما هناك غير هذا أبداً مهما كان، المال كله لن تستفيد منه إلا في مركب، أو ملبس، أو سكن، أو أكل، غير ذلك لا شيء.

{إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت} وما عدا ذلك فللوالد غنمه وعليك غرمه، ولا مانع من أن أذكر أيضاً قصة لطيفة، وهي خيالية وأسطورة، لكن أذكرها لكم وأختم بها؛ تعرفون حقيقة المال، يقال: إن أحد الناس رأى أن له دعوتين مستجابتين، فدعا الله عز وجل، وقال: اللهم اجعلني لا أمس شيئاً إلا تحول ذهباً، فأجاب الله دعاءه، فوضع يده على الطاولة فصارت ذهباً، وعلى المكبر فصار ذهباً، حتى لو وضعها على عمود المسجد لصار ذهباً، وفعلاً كاد يطير فرحاً، حتى جاءه الجيران، فصار يلمس لهم ويعطيهم.

فجاء الأكل وقال: اشتروا، وأتوا بما لذ وطاب من الأكل، فقدموا له مائدة ما رأى مثلها، ثم قال: باسم الله، وبدأ يأكل فتحول الصحن إلى ذهب، والرز صار ذهباً، واللحم صار ذهباً، ليس هذا الذي اتفقنا عليه! ثم استرجع الرجل، وبدأ الحزن، فجاء ابنه يريد أن يواسيه، فسلم على أبيه فتحول إلى ذهب، وفي النهاية قال: يا رب! بقيت الدعوة الثانية، وقال: يا رب! أرجع كل شيء كما كان.

هي أسطورة كما قلت، لكن ما هو معناها؟ لو كان عندك ذهب لما أرواك من الماء، لو كنت في صحراء، وفي جيبك عشرون جنيهاً فلن تغني عنك شيئاً، فالقضية أن المال لتلبس، وتأكل، وتشرب، وتتصدق.

فيجب أن يتعظ الإنسان، والأغنياء -وفقنا الله وإياهم- إذا ماتوا فإن الأموال كلها تصير إلى الأولاد وإلى الأهل، لا شك أننا لا نقول: الإنسان يبقى فقيراً، ولا شك أنك إن تدع ورثتك أغنياء خير، لكن بحدود أن تفهم وظيفة الدنيا.

وأخيراً: النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصحيحين: {يتبع الميت إذا مات ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله}.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح أعمالنا وأعمالكم، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرزقنا يقظة القلوب، وأن يجنبنا الغفلة إنه سميع مجيب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.