للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية قضية توزيع المسئوليات]

وأيضاً لو فقهنا مهمة البيت وعرفنا توزيع المسئوليات، ومع الأسف حصل خلط أثَّر كثيراً في التسيب حتى في الأمم المعاصرة التي تزعم التقدم، فتجد عندهم مشكلات نفسية، ومشكلات عصبية، ومشكلات إلى ما لا نهاية، بينما لو كان هناك سير على النحو الفطري الذي يدعو إليه الإسلام؛ المرأة لها وظيفة معينة، والرجل له وظيفة معينة، إذا تجاوز أحدهما الآخر حصل خلل، وبمقدار التداخل والفوضى تكون الانتكاسات، شئنا أم أبينا سنة الله عز وجل.

المرأة الأصل فيها أن تكون في البيت: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] وهذه قضية فطرية، وإخراجها لا بد أن يحدث آثاراً سلبية مهما كان، فالأصل أن المرأة مُنفقٌ عليها، والأصل أن المرأة تبقى في بيتها، والأصل في المرأة أن تكون مسئولة مسئولية أولية عن البيت في الداخل، والأب مسئول عنه في الخارج، فهذه قضية أساسية، الخلل فيها يؤدي إلى خلل في النسل، ويؤدي إلى خلل في الأبناء قطعاً.

نعم.

وهناك أشياء قد تكون إلى حد ما قابلة للنظر، وقابلة للتغيرات على حسب المقتضيات؛ لكنها لا تؤثر على الأصل، فأحياناً قد يكون التعليم مطلوباً، وتختلف درجات التعليم، ولكن يبقى معلوم أنه لا يعلِّم النساء إلا نساء، وكذلك أمور النساء لا يفقهها ولا يمارسها إلا نساء؛ لكن أيضاً تبقى المسئولية الأساسية هي البيت مهما كان.

ولهذا أيضاً يلاحظ أن بعض المسلمين الذين أغناهم الله عز وجل قد أوكلوا تربية أولادهم إلى غير الأمهات؛ إما إلى خادمة وإما إلى خادم وإما إلى مربية إلخ، وهذا يؤثر كثيراً، فتجد عنده قدرة مادية على أن يأتي بخادمة ومربية؛ لكن الخادمة يتعلق عملها بأمور بيتية تتعلق بالماديات، كطبخ أو كنس؛ لكنها لا تحسن بتربية الأولاد، فهذه مسئولية الأم كما أنها مسئولية الأب مباشرة.

فبناء الأسرة وتكوينها في الإسلام مبني على أسس منها العناية بالأولاد والتربية، والحنو، والعطف، ولكن إذا سادت الماديات فعلى العطف السلام!

إذا كانت العلاقة بين الزوج والزوجة أن لها راتباً وله مثلها، أو أن الزوجة تدفع والأب يدفع أصبحت المسألة مقايضة، لا أدري كيف سيكون شعور الطفل والطفلة حينما يعلم أن أباه وأمه يتحاسبان مادياً؛ أنا دفعتُ وأنت ما دفعتَ، يفتقد الحنو والعطف، ويفتقد الرحمة التي تظل البيت: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١] وإذا قلبناها إلى ماديات ذهبت المودة والرحمة.

والتربية قضية أساسية في الأسرة ينبثق عنها حنو وعطف، أبوة تكدح في الخارج، وأمومة تحنو في الداخل، فيخرج الولد سوياً يرى أباه مكافحاً، عرقه يسيل من جبينه، ينفق ويكسب لأولاده، والأم يراها تدغدغ العواطف، وتحنو عليه في صدرها وفي حجرها، وغير خافٍ حرص الأبوين على تفوق أولادهم ونبوغهم؛ مما لا يتحقق في غير هذا الجو الأسري الحاني.

إذاً العامل الرئيسي في عزوف الشباب عن الزواج: هو هذا الزخم من الثقافات والانتكاسات الفكرية، والغزو المخلخل والمفسد للمقاييس والمعايير، وليس هو غلاء المهور، أو ثقافة المرأة كما يبدو من بعض الكتابات، وإن كان لهذه أثر فمعالجته أيسر بكثير من معالجة الغزو الثقافي، الذي تستدعي معالجته النظر في مجالات كثيرة في التربية والإعلام وسائر موارد الثقافة.

إذاً قضية المهور مشكلة، ولكن تبين لنا أنها ليست مشكلة أساسية، وكذلك قضية تعليم المرأة.

والمرأة ينبغي أن تعرف أمور دينها، ولا يكون ذلك -غالباً- إلا بالتعلم، وهي لا تفقه أحكام عباداتها، وأمور دينها، وحسن تفقيه أولادها في حدود مقدرتها إلا بالتعلم، فالتعلم ليس سوءاً لذاته لكن السوء فيما يصاحب التعلم من أشياء لا يجوز أن تتعلمها ونحو ذلك، ويحرم التعلم إذا كان وسيلة إلى محرم، كما أنه يجب إذا كان وسيلة لواجب، وإذا كان وسيلة إلى مستحب فهو مستحب، فتعلم الوضوء واجب؛ لأنه واجب، فللوسائل حكم المقاصد.