للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تساؤل الكافرين عن كيفية البعث]

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ} [المرسلات:٣٨] لأن الكفار يقولون: إذا أمكن بعثنا فكيف نصنع بالأولين؟: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الواقعة:٤٨] يقولون: أين ذهبوا، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:٥٣ - ٥٦].

وتعجبوا من إمكانية الإعادة لهذه الأجساد التي بليت وتفتت، وذهبت شذر مذر، قالوا: كيف يعيدها؟ فهذا الذي قد بلي منذ زمن كيف يأتي به رب العالمين؟ فأجابهم الله وقال لهم: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:٢٨] إذا كان هذا صعباً عليكم فإن خلقكم وبعثكم كله لا يساوي عند الله جهد خلق نفس واحدة، ويقول لهم: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:٥٧] كيف تتعجبون من قدرة الله على إعادة الناس ولا تتعجبون من قدرة الله العظيمة في خلق هذه السماوات والأرض، إن الأولين ما ضاعوا وما ذهبوا، إنهم موجودون في سجل الله الخالد الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات:٣٨] من آدم إلى آخر شخص كلهم موجودون.

ثم: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} [المرسلات:٣٩] تحدٍ أتستطيعون أن تصنعوا شيئاً؟ كيدوا، وماذا يصنعون والملك الواحد من الغلاظ الشداد يأخذ بيده هكذا فيلقي سبعين ألفاً في النار؟ والملائكة: {غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] وجهنم يؤتى بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ولو تركت لأتت على أهل الموقف برهم وفاجرهم: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:١٢ - ١٤] تشهق عليهم كما تشهق البغلة على الشعير: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:١٢].

قالوا للرسول: كيف تراهم جهنم ألها عينان؟ قال: أما سمعتم قول الله: إذا رأتهم نعم لها عينان، تراهم وتعرفهم، وأنهم غرماؤها؛ وأنهم الذين سوف تتولى تعذيبهم: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:٢١ - ٢٥] وأهل الإيمان يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان:٦٥] {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} [المرسلات:٣٩] هل يستطيع أحد أن يعمل شيئاً ذلك اليوم؟! لا.