للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقفه صلى الله عليه وسلم من تكذيب اليهود له]

أما الفئة الثانية: فئة اليهود: اليهود يعرفون أنه نبي، يقول الله عز وجل: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] هل عندك شك في أولادك؟ أي: لو دخلت مجمعاً، أو مدرسة، أو ملعباً ورأيت ملايين الأولاد، هل تخطئ أولادك؟! والله إنك تعرف أولادك من بين ملايين الناس، كذلك اليهود يعرفون سماته وصفاته وعلاماته الموضحة في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، ثم قال الله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٤٦] وبعد ذلك لماذا كذبوا؟ {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:١٠٩] يعرفونه ولكن الحسد بدأ يأكل قلوبهم، يقول الله تعالى فيهم: {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:١٠٩] كيف تنتقل الرسالات من بني إسحاق إلى بني إسماعيل؟! الرسالات كلها كانت في إبراهيم، ثم في ولده إسحاق، ثم في ولده يعقوب، ثم في ولد يعقوب، ثم تسلسلت الرسالات على هذا المنوال، ثم نقل الله هذا الشرف من بني إسرائيل -وهم بنو يعقوب- إلى بني إسماعيل وهو محمد صلى الله عليه وسلم لِمَ نقله؟ لما حصل من اليهود من الرفض، والتكذيب، ونقض العهود، وقتل الأنبياء، والحيل، وارتكاب المعاصي حتى لعنهم الله تعالى، قال الله عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩].

فالله عز وجل لما تمادوا في غيهم وطغيانهم قال فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة:١٣] لعنهم الله؛ لأنهم يعاهدون ثم ينقضون المواثيق، ويحتالون على الله، أي: يحرم الله عليهم الحرام فيصطنعون حيلة على الله ليحلوا ما حرمه.

ومما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، فقالوا: نحفر حفراً يوم الجمعة، ويأتي السمك في هذه الحفر يوم السبت، ونمسكه يوم الأحد!! هذه حيلة على من؟! على من يحتالون؟! قال الله تعالى عنهم: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} [الأعراف:١٦٣] حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، ولهم أن يصيدوا يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، لكن في هذه الأيام لا توجد الأسماك؛ ويوم السبت يمتلئ البحر بالسمك، بل تأتي شرعاً، أي: تقلب بطونها لهم لتريهم، كأنها تقول لهم: إني موجودة، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ} [الأعراف:١٦٣] فلما أخذوا منها، قال الله عز وجل: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:٦٥] مسخهم الله تعالى قردة.

فهؤلاء عندما انتقلت الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس من نسل إسحاق بن إبراهيم، ولكنه من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام امتلأت قلوبهم حقداً وحسداً فكذبوا ورفضوا، أي: شككوا في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رغم علمهم ويقينهم أنه رسولٌ من عند الله.