للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولاً: الفطرة

فطرهم على الدين، وهذا هو العهد الذي أخذه الله عز وجل على آدم وذريته في الأزل، يقول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:١٧٢] هذا الميثاق الأول {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا} [الأعراف:١٧٢] أي: لئلا تقولوا: {يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف:١٧٢ - ١٧٣] فالله عز وجل أخذ علينا العهد في الأزل، فقد ورد في الحديث: (إن الله عز وجل مسح بيده على ظهر آدم، فنثر ذريته كالذر، ثم أشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى) وهذه يسميها العلماء: الفطرة التي غرسها الله سبحانه وتعالى في طبع كل إنسان، فهو يعرف أن هناك خالق ومعبود وهو الله سبحانه وتعالى، ولهذا فالإنسان عابد بفطرته، لكن المشكلة أن من الناس من عبد غير الله؛ لأن الناس كلهم يعبدون، ولا يوجد أحد في الدنيا إلا وعنده إله، حتى في زمن الأولين عبدوا الهياكل، والكواكب، والنجوم، والشجر، والحجر، والبقر، والشيطان لكنها معبودات باطلة إلا الله فعبادته حق.

ونتصور الآن أكثر من ألف مليون هندوسي يعبدون البقرة! انظروا إلى العقول الضالة بقرة لا تدري أين رأسها من عفاسها، وهم جلوس عند استها يعبدونها ما هذه العقول؟! ذهب أحد الإخوة إلى الهند، يقول: دخلنا في معبد من معابدهم وقت عبادتهم -ينظر ما هم عليه- يقول: فوجد مجموعة من كبارهم، دكاترة، وبريفسورات، وعظماء، عندهم عقول، وهم يحنون رقابهم مستسلمين خاضعين عند البقرة، والبقرة تستجر، تأكل ولا عرفت من الذي عند رأسها أو استها، أو من الذي يعبدها أو لا يعبدها، ومن الذي يحلبها أو يذبحها، لكنها عقول أضلها الشيطان -والعياذ بالله- وعبدوا الحجارة، يقول إبراهيم عليه السلام: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء:٦٧] كيف تعبدون هذه، {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٧٧] {الَّذِي خَلَقَنِي} [الشعراء:٧٨] هذه حجارة ما خلقت، وبقرة ما رزقت، لكن الذي يستحق العبادة هو الخالق الرازق: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:٨٠ - ٨١] {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:٧٧ - ٨٢] هذه هي خصوصيات الرب، اذكر لي واحداً من الآلهة تفعل هذا؟ من الذي يحييك ويميتك إلا الله؟ من الذي إذا مرضت يشفيك إلا الله؟ من الذي يطعمك ويسقيك إلا الله؟ لو أرد الله أن لا تطعم من في الأرض، وأرادت البشرية كلها أن تطعمك ما يطعمك إلا الله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَم} [الأنعام:١٤].

فهذه الآلهة الباطلة التي تعبد من دون الله ليس لها مقام، والله عز وجل قد خلق للناس فطرة العبودية، ولهذا جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في الصحيحين -: (كل مولود يولد على الفطرة -أي: الإسلام- فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ولم يقل في الحديث: أو يمسلمانه؛ لأنه مسلم بفطرته، وفي الحديث القدسي في صحيح البخاري يقول الله عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين) فهذه حجة العهد والميثاق الأول.