للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظاهرة الانتكاسة: (أسبابها وعلاجها)]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وبعد: أيها الأحبة في الله: تلقيت قبل موعد أذان المغرب بنصف ساعة فقط، وبالتحديد في الساعة السادسة إلا ربع، مكالمة هاتفية من الشيخ/ جابر المدخلي الأمين العام للتوعية الإسلامية بـ مكة، يطلب مني أن ألقي هذه المحاضرة بديلاً عن الشيخ/ محمد المختار الشنقيطي وذلك لظروف مرضه، نسأل الله عز وجل أن يكتب له الشفاء العاجل.

والحقيقة لقد ترددت -بل اعتذرت- والسبب أن البديل دائماً يكون ثقيلاً مهما كان، الناس جاءوا وهم متهيئون لسماع رجل بعينه، فإذا جاء الغير كان هذا الغير ثقيلاً لا يريد أحد أن يسمعه، وما أود أن أكون ثقيلاً على إخواني.

فقلت للشيخ: سوف آتي وأشاورهم فإن رأوا أنني سأصبح ثقيلاً عليهم اعتذرت، وخرجنا وذهب كلٌ إلى بيته، والسلامة كرامة كما يقولون، وإن قبلوا بشرط ألا أكون ثقيلاً عليهم فلا مانع من الاستمرار معهم إلى العشاء، وأنا أعرض عليكم هذا الرأي فما رأيكم، هل تودون الاستمرار ولا أكون ثقيلاً عليكم؟ بارك الله فيكم.

البديل ثقيل لماذا؟ هناك حكاية: رجل جاءه ضيوف ولا يود أن يكرمهم -يعني: ضيوف ثقلاء- ولكن لابد له من أن يقدم لهم وجبة الطعام، فنزل إلى المرعى الذي فيه الأغنام وأخذ واحدة من الأغنام وأخذ السكين وبدأ يذبح الذبيحة، فصاحت الذبيحة من ألم حرارة الموت، فقال لها يخاطبها يقول: اصبري فوالله إنكِ مغصوبة وأنا مغصوب، يقول: أنتِ مغصوبة لا تريدين الموت وأنا مغصوب لا أريد أن أذبح، وأنا أقول لكم: أنتم مغصوبون وأنا مغصوب فاصبروا على ما واجهتم.

موضوع المحاضرة: "الانتكاسة أو الانتكاس أسبابه وعلاجه"، كنت قبل فترة ألقي درساً في جدة ووعدت أهل جدة بمحاضرة بعنوان: "حوار مع منتكس" ولما كان هذا الموضوع هو موضوع هذا الدرس فأنا أقدم هذا الموضوع الذي كنت سألقيه في جدة بعد أيام وليالي؛ لأنه موضوع جاهز.

الانتكاسة: حالة مرضية تصيب بعض الملتزمين الذين وفقهم الله عز وجل للاستقامة على دين الله، وهي والحمد لله في مجتمعنا لا تشكل ظاهرة عامة، بحيث نخاف منها أو ننظر إليها بنظرة شؤم، لا.

هي حالة نادرة تقع في أفراد بسطاء بدليل استقامة الآلاف المؤلفة، واستمرارية العاملين والحمد لله في سلك استقامتهم، فهذه ليست مثار خوف عندنا، ولكننا ننبه عليها للتحذير منها من باب الوقاية؛ لأن مسألة الثبات على الدين حتى الممات شيء لابد منه، إذ أن العبرة والمعوَّل على الخواتيم -الخاتمة- إنما الأعمال بالخواتيم، وأنت يقاس لك عملك على آخر أداء تؤديه قبل الوفاة، فلو ثبتَّ طوال حياتك وزللت قبل الوفاة بلحظات، لم تعد لك كل سابقة حياتك، ولو انحرفت طوال الحياة ثم ثبتَّ عند الممات لختم الله لك على هذا الثبات وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (منكم من يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) هذا الحديث له مغزى وله هدف، والمثبطون والمنهزمون أمام شهواتهم يستدلون به على غير وجهه الشرعي فيقول أحدهم وهو منغمس في الذنوب، يقول: أنا أعمل بعمل أهل النار حتى إذا كان بيني وبين النار ذراع عملت بعمل أهل الجنة، هذا كلام غير صحيح؛ لأنك لا تملك الهداية، لا.

ليس هذا هو مقصد الحديث.

مقصد الحديث: بيان أن على المسلم الذي يلتزم بالدين أن يتمسك ويثبت إلى أن يموت، حتى لا يعمل عملاً من عمل أهل النار فيختم عليه به ويدخل النار.

والثاني: أن على العاصي الفاجر البعيد عن الله أن يسارع بالتوبة وألا يؤجل ولا يسوف، حتى يعمل عملاً صالحاً؛ لأنه قد يموت بعد هذا العمل الصالح فيدخله الله الجنة، هذا هو هدف الحديث؛ لأن العبرة بالخواتيم.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله الثبات ويقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك) ويخبر الله عز وجل عن عباده المؤمنين بأنهم يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٨] يدعون الله عز وجل أن يثبتهم وألا يزيغ قلوبهم بعد أن هداها، ويطلبون من الله رحمة وهذه الرحمة يقول عنها المفسرون: هي رحمة التثبيت.

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.