للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الثالث: في حالة الغضب]

الغضب جمرة من الشيطان يشعلها فيك، ولهذا عندما جاء أبو هريرة وقال: (يا رسول الله! أوصني قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب) وأخبر عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم).

أما ترى الإنسان إذا غضب كيف يتحول من إنسانيته إلى إنسان آخر، ترى الإنسان طبيعياً ولكن إذا غضب كيف يتحول، أولاً: تنتفخ عروقه؛ لأن الشيطان دخل منها، ثم تبرز عيونه، ثم يضطرب ويرتعد، ويسب ويشتم ويلعن، وربما يطلِّق ويضرب، وربما يقتل وهو غضبان، فإذا جئت إليه وقلت له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ما يقولها، يقول: أنت لا تدري ماذا عمل بي هذا، تقول له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقول: أنت لا تدري ما عمل، يا أخي! قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والله لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لجلس.

الغضب أيها الإخوة! باب كبير وواسع من أبواب الشيطان، يهلك الكثير من الناس بسببه، يطلق الرجل زوجته من أجل سبب تافه، ولكن عن طريق الغضب، ثم يندم، فإما أن يذهب إلى العلماء ليستفتي إن كان له فتوى، أو يترك هذه الزوجة ويحطم بيت الزوجية، أو يضيع دينه ويبقى مع زوجته وهي حرام، ويصبح أولاده أولاد زنا، ويأتي زوجته سفاحاً والعياذ بالله، وسبب هذا كله الغضب، بعضهم يقتل أخاه المسلم بسبب الغضب، ثم يندم ولكن بعد فوات الأوان.

كم من واحد الآن في السجن يعض أصابعه العشر ويتمنى أنه ما عرف هذه الحياة، وسبب القتل تافه وبسيط، بعضهم يقتل من أجل كلمة واحدة، ولو أنه مؤمن ومتقيد بآداب الشرع كان إذا جاءه الشيطان من هذا الباب قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

يخبرني أحد المسئولين عن رجل ينتظر الموت ومحكوم عليه بالسيف، وسببه أنه كان يسير في طريق وتجاوزه آخر، فلما تجاوزه رجع إلى الخط وضايقه، فجاء الشيطان ونفخ في هذا الرجل الأخير وقال له: انظر هذا يضايقك يريد أن يقلبك، ولو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يريد أن يقلبني ولكنه ما قلبني، نفخه الشيطان فداس على البنزين ولحقه إلى أن تجاوزه وكان انتقامه أكبر منه، يريد أن يقلبه، ويقوم هذا للمرة الثالثة ويلحقه ويأتيه الشيطان ويقول له: هذا عدوك، وأصبحوا مثل الأطفال، حتى تجاوزه ثم أوقف السيارة واعترضه في الخط ونزل بالمسدس، والتقيا هذا معه مسدس وهذا معه شقوف، فأخرج مسدسه وقتله، وبعد ذلك قبض عليه وجيء به في السجن وهو الآن يموت كل لحظة، ذاك المقتول أخذها على غير موعد ومات، لكن هذا القاتل منذ قبض عليه وهو يموت، ومنذ أن حقق معه وهو يموت، وكل جمعة وهو يموت، وكل ثلاثاء وهو يموت، وعندما يسمع قدم عسكري يموت، وبعد ذلك إذا أخرج للقتل وقيل له: قم اغتسل واكتب وصيتك، وإذا أخذ وربط من يديه وقدميه وركب في سيارة الشرطة وغمضت عيناه وجيء به وأنزل من السيارة ورأى الناس كلهم ينظرون إليه، ونظر إليهم وهم يريدون أن يعودوا بعد لحظات إلى بيوتهم وأزواجهم وأعمالهم وهو يقاد إلى (المقصمة) ثم يجلس ويقرأ عليه الإعلان وهو يسمع، ثم بعد ذلك تأتي الرصاصة لتضرب في ظهره وهو ينتظرها، فرق بين من يموت فجأة، وبين من صدره مفتوح للبندقية ينتظر متى تنفضه نفضاً، ثم تفتح صدره وتخرج رئته وقلبه وكبده أمامه.

وهذا كله عقاب الدنيا، وبقي شيء يشيب الرءوس في الآخرة، هذا كله بسيط قياساً على عذاب الآخرة، يقول ابن عباس عند قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:٩٣] قال: [كيف أحكم له بالتوبة وهذه من آخر ما نزل في آخر سورة النساء] واختلف أهل العلم في توبة القاتل: فقال بعضهم: لا توبة له، وقال بعضهم: له توبة؛ لأن القتل أقل من الشرك، والصحيح أن له توبة ولكن بشرط: أن يسلم نفسه لولي الدم، أما أن يقبض عليه باضطرار فلا.

بمعنى: أنه إذا قيل له وهو في السجن: هذا الباب مفتوح تريد تجلس وتسلم من عذاب الآخرة، أو تذهب إلى أهلك والآخرة بعد ذلك؟ إن كان جلس وقال: والله ما أخرج.

هذا تاب، وإن كان قال: لا.

والله المرأة والعيال، فهذا كذاب دجال ما تاب.

وأسباب هذه الجريمة والمصيبة أنه تجاوزه بالسيارة، طيب كم نسبة تجاوز الإنسان لك بالسيارة.

كل يوم يتجاوزك، مرة بالسنة أو بالسنين كلها، وإذا أخطأ عليك ودقك، قل له: الله يسامحك وسلم عليه:

لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات

إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات

وأملأ الوجه بشراً حين مقدمه كأنما قد حشا قلبي مودات

إذا رأيت عدوك يريد أن يقحمك في المآسي فتبسم، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره، والحديث في البخاري يقول صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه رجل قال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة).

فأنت يا أخي المسلم! في ساعات الغضب اضبط نفسك وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

حضرت مرة بين رجلين، وأحدهم معه عصا والآخر معه فأس، وهم عمال في مزرعة وجئت وإذا بهم والشيطان قد شغل (المواطير) كلها، وما بقي إلا أن يعلن البدء، لكن الله عز وجل ساقني لهم في تلك اللحظات، فمسكت الذي رأيته كأن الشيطان (معشِّق) عليه، فمسكته على جنب وقلت له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

قال: ما تعرف ما صنع بي.

قلت: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

قال: ما علمت يا شيخ! قلت: قل أعوذ بالله.

فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا به جلس، والله الذي لا إله إلا هو إن عيناه رجعت، وعروقه هدأت وجلس، وقمت لذاك وإبليس راكبه، فقلت: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

قال: ما علمت هذا ما صنع.

قلت له: قل أعوذ بالله، فكررتها عليه ثلاثاً وأربعاً، حتى قالها فجلس فلما جلس قاما وتصافحا، قال: يا شيخ! أرأيت الشيطان كيف كان يورطنا، جزاك الله خيراً يا شيخ.

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:٢٠٠].

جاءنا رجل يسألنا في المسجد أنه طلق زوجته بعد صلاة المغرب بالطلاق الثلاث المحرمات ويريد فتوى، قلت له: ما هي الأسباب؟ وأين كنت؟ قال: كنت في الدوام وبعد ذلك معزوم، وما جئت إلا مع المغرب.

قلت: لما دخلت سمّيت الله؟ قال: لا.

والله يا شيخ نسيت.

قلت: دخل معك إبليس؛ لأنك إذا دخلت بيتك فمن السنة أن تقول: باسم الله، وإذا تعشيت تقول: باسم الله، وإذا جئت زوجتك تقول: باسم الله، وإذا لبست نعلك تقول: باسم الله، وإذا رجلت رأسك تقول: باسم الله، لكن إذا سويت شيئاً من غير ذكر الله تراها كلها لإبليس، إذا دخلت دخل معك إبليس، وإذا تعشيت أكل معك إبليس، وإذا جئت زوجتك جاءها إبليس قبلك، ولهذا يصير الأولاد شياطين لأنهم أولاد إبليس، وإذا تدهنت وما سميت تدهّن معك إبليس، فقلت له: هل سميت حينما دخلت؟ قال: لا.

والله.

قلت: دخل معك إبليس، وماذا حصل؟ قال: دخلت وجلست، ولاحظت قمامة في المجلس، انظروا كيف الشيطان يصنع من الحبة قبة.

قال للمرأة: لماذا لم تكنسي المجلس، ما عندك من عمل طوال اليوم؟! قالت: عجيب! تكمل دوامك، ثم تذهب تتغدى عند أصحابك وتتركنا ولا تجينا والآن تزيد تدخل تضارب.

قال: أنتِ ما فيكِ خير.

قالت: بل أنت ما فيك خير.

المهم تشاجرا وتضاربا فصكعها فصاحت وشبت النار وقال لها: أنت طالق، وله ستة أطفال منها، ولد وبنت في المستوى الثانوي واثنين أولاد في المتوسط، واثنين أولاد صغار، قاموا يصيحون، وشبت النار في الأسرة وجاء الرجل وهو يرتعد: دلني يا شيخ، قلت: أعوذ بالله يورطك إبليس إلى فوق رأسك وبعد ذلك تأتي أدلك، ما عندي لك دلالة، ما عندي فتوى في هذا الموضوع، الطلاق بالثلاث، قال: طلاق بالثلاث، لا يفتي فيه أحد إلا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الزمان، يفتي فيه ولكن ليس على الإطلاق، انظر المصلحة المرجحة، أما الذي يلعب بالأيمان، هذا دجال، يعزر ويضرب وقلت له: لو كنت في المحكمة وجئتني لجلدتك وعزرتك.

فلا تغضب إذا المرأة غضبت، إذا دخلت وهي غضبانة قل لها: السلام عليكم، كيف الحال ما بك اليوم، واضحك لها، لكن إذا دخلت وهي زعلانة قلت: أكون أنا زعلان أكثر وتقابلتما وصارت مشكلة، لا تغضب أبداً لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب، وإذا رأيت في الطعام شيئاً لا تغضب ولا تسبه اسكت؛ لأنك إذا سبيت الطعام كأن يكون الملح أو الفلفل زائداً.

أولاً: عبت الطعام فهذا خلاف للهدي النبوي؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما عاب طعاماً قط، إن أعجبه أكل وإلا ترك.

ثانياً: لفت نظر الجالسين، ربما لم يعلموا بالذي علمت به أنت، فإذا لفتَّ نظرهم أصبح عندهم حساسية ضد الطعام هذا وما أكلوا منه.

ثالثاً: أوغرت صدر المرأة المسكينة تتعب لك وأنت تخرب طعامها، ما الحل؟ تسكت، إن أعجبك كل، وإلا قف، قل: أنا شبعان أفطرت اليوم في المكتب فطوراً جامداً، وبعد ذلك عندما تكمل الطعام، تقول للمرأة: حقيقة طعامك اليوم من أروع ما يكون، والله ما أدري كيف سويتيه اليوم، بس ما أدري وأنت تحطي له الملح كأنك غمست الملعقة قليلاً طلع فيه ملح زايد، لكن غداً يحسن أنك تخففي الملح، تقول: والله قد بان لي أنك ما أكلت، أنا آسفة يا زوجي ويا عيالي، وغداً تصلح الطعام من الصباح، لماذا؟ لأنك عالجت الموضوع بحكمة، لكن ما ظنك لو أنك قلت من أول ما ذقته: ما هذا صبيتي الملح كله، أين عقلك؟! ما معك من شغل يا بنت الحرام، جالسة راقدة، أنا أكد وأشتغل وأتعب وأجيء والطعام هكذا، وقام، قالت: الله أكبر عليك يا ذا الجني، وهي قالت: والله ما أذوقه، وقال العيال: والله ما نذوقه، وصار اليوم تعب، وجاء الليل هي زعلانة وهو زعلان، هي في دار وهو في دار، والأولاد زعلانين، وإذا جاء الصباح تقوم تطبخ تسوي الرز، ماذا تصنع ما تسوي فيه ملح بالمرة خائفة من الرجَّل.

فإذا جاء يأكل قال: الملح قليل، أمس ملح زيادة واليوم ما