للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات المؤمن الناجي من النار]

أخي في الله! كل ما سمعت من العذاب والنكال والأهوال إنما أعدها الله للكفار والمنافقين، ولم يعدها لأهل لا إله إلا الله، لم يعدها لأهل الإسلام، من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله من قلبه، وجرد لا إله إلا الله بالتوحيد، وجرد محمداً رسول الله بالمتابعة والاتباع، وأقام الصلوات الخمس حيث ينادى بهن في المساجد ومع جماعة المسلمين، وبكمال الطهارة والخضوع والخشوع وحضور القلب، وأدى الزكاة إذا توفر المال وتوفرت فيه شروطه، وصام رمضان، وحج بيت الله الحرام، وبر والديه، ووصل رحمه، وقرأ كتاب ربه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأحب في الله وأبغض في الله، وجاهد في سبيل الله بقدر ما يستطيع من الجهد، وبذل ما يستطيع من الإمكان، جهاد الكلمة واللسان والمال والنفس، كل هذا من الجهاد.

ثم امتنع وابتعد وانزجر عما حرم الله من الكبائر؛ فحفظ عينه مما حرم الله، وحفظ أذنه، ولسانه، وفرجه، ورجله، وبطنه، وكف يده، إذا قام بهذا فإنه -أيها الإخوة- بعيدٌ من هذا العذاب كله.

المؤمن سالم بإذن الله لا يأتيه شيء من هذا كله إلا مبرة القسم؛ لأن الله عز وجل قد قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:٧١] بل إن النار تصيح تقول: يا مؤمن! جز -أي: امش- فقد أطفأ نورك ناري.

نور المؤمن يؤثر على إخماد النار، فلا تصل إليه لتحرقه، وإنما هو يطفئها ويمر من عليها.

أهل الكفر والنفاق هم أهل النار، أما أهل الإيمان، وأهل لا إله إلا الله، والاستقامة على دين الله، والحب في الله والبغض في الله، الذين صبغوا حياتهم بصبغة لا إله إلا الله، وصاغوا أمورهم على أحكام لا إله إلا الله، وساروا خاضعين خاشعين مستسلمين مذعنين منقادين لأوامر الله، لا يرفعون رءوسهم على أمر الله، ولا يشاقون الله ولا رسول الله، وإنما سمعنا وأطعنا، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء:٦٦].

قال عبد الله بن سلام: [والله لو أمرنا بقتل نفوسنا لفعلنا] رضي الله عنهم وأرضاهم، الله ما جعل علينا في الدين من حرج -أيها الإخوة- بل شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً، ونزع منا الحرج، وما كلفنا إلا بما نستطيع، هل في تكاليف الشرع علينا مشقة أيها الإخوة؟! لا والله، نحن عبيد، كان بالإمكان أن نعبد الله ليل نهار مثل الملائكة، فرض الله علينا بداية خمسين صلاة، ولو صلينا خمسين صلاة كنا كل نصف ساعة في صلاة، لكن الله برحمته تبارك وتعالى، وبسبب مراجعة رسول الله له بإشارة من موسى عليه السلام له نزلها من خمسين إلى خمس، فبقيت خمس في الأداء لكنها خمسون في الثواب، صلِّ خمساً وخذ خمسين ثواباً، وتضيع الخمس كذلك، إذاً ماذا تريد بعدها؟ لم تعد تريد الدين، من ضيع خمس صلوات إذاً لم يعد يبقى له دين، تقعد من بعد الفجر تصلي الفجر الآن (٤.

٣٠)، وتقعد إلى (١٢.

٣٠) كم جلست ساعات بدون صلاة؟ ثمان ساعات -يا إخواني- بدون صلاة، لا إله إلا الله! ما هذه النعمة! ثم تصلي الظهر (١٢.

٣٠) وتقعد ثلاث ساعات ونصف، ثم تصلي العصر وتقعد إلى المغرب ساعتين ونصف، ثم إلى العشاء وتصلي وترقد إلى الفجر، ما هذه النعمة يا إخواني؟ ما علينا مشقة في الدين.