للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السبب العاشر: الابتعاد عن رفقة السوء]

عن المرء لا تسَلْ وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

يقول الإمام علي رضي الله عنه:

فلا تصحب أخ الجهل وإياك وإياه

فكم من فاسق أردى مطيعاً حين ماشاه

يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه

وللناس على الناس مقاييس وأشباه

وللقلب على القلب دليل حين يلقاه

(الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) والذي يحب السيئين سيئ، والذي يحب الطيبين طيب، والقرآن قد أعطانا في هذا دليلاً واضحاً في قصة ذلك الرجل؛ وهو عقبة بن أبي معيط عليه من الله ما يستحق، فقد كان رجلاً حليماً رقيق القلب وأراد أن يسلم، لكن لما كان له صاحب خبيث منعه هذا الخبيث من الدين، فقد سافر هذا الخبيث إلى الشام فجاء عقبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس في مجلسه، واستمع إلى القرآن ورق قلبه وأراد أن يسلم، فلما وصل زميله ذاك في الليل سأل زوجته فقال: ما فعل خليلي؟ قالت: صبأ.

-أي: اهتدى وأسلم- فترك البيت وذهب إليه وطرق عليه الباب وقال: سمعت أنك صبأت؟ فقال: أبداً ما صبأت، أنا معك، أنا رفيقك، فقال له: والله لا أرضى عنك حتى تذهب إلى محمد فتبصق في وجهه، فقال: أبشر -وليته ما بشر- فخرج وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له من يحميه آنذاك، كان وقتها الغلبة والدولة للكفر، وكان المسلمون قلة مستضعفون في الأرض، فخرج إلى النبي وهو جالس في مكة عند الكعبة، فجاء إليه ودعاه قائلاً: يا محمد! فلما التفت تفل في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع الرسول أن يفعل شيئاً، لماذا؟ لأن عقبة هذا من صناديد قريش، ومن عظماء مكة، لا يستطيع أحد أن يقول له كلمة.

فمات عقبة -قتل في غزوة بدر - ولقي الله فأدخله الله النار، فتذكر ما الذي أهلكه، وإذا به زميله هذا، فقال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:٢٧] أي: عقبة وغيره ممن كان على شاكلته، ولم يقل الله في الآية: يعض على إصبعه، بل قال: على يديه، أي: يأكلها كلها: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:٢٧] أي: يا ليتني اتخذت مع الرسول طريقاً، يا ليتني مشيت وراءه {يَا وَيْلَتَى} [الفرقان:٢٨] يدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:٢٨] وهنا يقول المفسرون: إن فلاناً هنا نكرة، والتنكير للتعميم، وهو مقصود، إذ أن كل من أضلك عن الله يدخل في فلان سواء كان شريطاً أو كتاباً أو زميلاً أو مدرساً أو أخاً أو أي شخص أضلك عن الله، وسوف يقول الضال يوم القيامة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:٢٨ - ٢٩].

كما أن هناك كثير من الشباب اليوم يهتدي لشهر أو شهرين أو ثلاثة، ثم لا يجلس جلسة واحدة على أغنية أو فيلم إلا وقد غُسل مخه من الدين وعاد ألعن مما كان عليه في السابق! ينتكس والعياذ بالله! قال الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المنافقون:٣] أي: أن الله قد ختم على قلبه؛ لأنه ذاق طعم الإيمان ثم انتكس، بصَّره الله بالطريق وأقامه على السبيل ثم بعد ذلك رجع، فهذا لا يهديه الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:٣] أي: لا يعلمون عن الله شيئاً والعياذ بالله.

هذه هي العشرة الأسباب، وكل واحد منها يحتاج إلى ندوة أو ندوتين، لكن نحن نتكلم على سبيل التعميم، وإذا أمد الله في العمر، وهيأ فرصة مناسبة؛ فإن شاء الله نكملها، ولها توابع أخرى، فأسباب الهداية عشرة، وعلامات الهداية عشرة، وهناك موانع الهداية أو عوائق الهداية، وهذه أيضاً عشرة، فهناك عشرة موانع أو حواجز وسدود بين الإنسان وبين الهداية، لا يهتدي حتى يبتعد عنها كلها، إذاً كيف يهتدي وأمامه عشرة سدود؟! نقول: لابد أن يتجاوزها واحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى الهداية، وهذه يراد لها عشرة أوقات.

لكن نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يهدينا إلى سواء السبيل.