للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الإنسان وسائر المخلوقات]

إن الفارق بين جميع المخلوقات وبينك أيها الإنسان! هو هذا الدين وهذا الإيمان، والذي ليس له دين ليس له -والعياذ بالله- قيمة في هذه الحياة، والله يقول فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢] ويقول: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩].

لديه عقل لكنه لم يستعمله في طاعة الله، استعمله في المنكر والباطل وأمور الدنيا، وله عين لكنه ما استعملها في النظر إلى ملكوت الله، وإلى كتاب الله وسنة رسول الله، بل استعملها في النظر إلى النساء، ومتابعة الحرام، فيحرق قلبه ويُغضب ربه، وله أذن ما استعملها في سماع آيات الله، وبعض الناس يمر عليه الشهر ولم يسمع فيه آية من القرآن، وبعض الناس يدخل عليه الشهر ويخرج ولم يقرأ فيه من المصحف حرفاً واحداً، وإذا حمل المصحف في يوم جمعة أو في صلاة من الصلوات، قرأ من أي مكان، من غير تدبر ولا تمعن، والآن كلكم دخلتم قبل الخطبة وقرأتم القرآن، وبعد الصلاة لو وقف واحد على الباب وسأل كل واحد ماذا قرأت؟ وما هي السورة التي قرأت؟ يمكن أن تعرف السورة، ولكن ما هي المواضيع التي طرقها القرآن في قراءتك له؟ ما هي الأوامر الموجهة لك؟ ما هي النواهي المنهي عنها؟ ما هي الأخبار التي جاءت في القرآن الذي قرأت؟ يمكن لا ينجح (١%) قرأ القرآن من وقت دخوله وهو يتمتم، لكنه لا يدري ماذا يقول، فكيف تأتي الهداية؟ فالحسرة والندامة تقطع قلب الإنسان وهو يُقاد إلى النار، حينما يرى أهل الإيمان يقادون إلى الجنة، وفي الدنيا يعيش في عذاب، يعيش الإنسان في هذه الدنيا قبل الآخرة في عذاب، إذا لم يكن مسلح بالإيمان، ولذا يغالط الإنسان نفسه؛ بأن يضفي على حياته أشياء كثيرة من المسليات والملهيات، من أجل أن ينتقل من واقعه المرير؛ ليعيش في بعدٍ عن الله، إذا اشترى مجلة أول شيء يقرأه فيها الصفحة الضاحكة، يريد أن يضحك، وإذا اشترى جريدة فأول شيء يبحث عنه نكتة اليوم، وإذا علم عن فلم سارع بشرائه ليضحك، وإذا سمع بمسرحية يريدها لكي يضحك، فلماذا؟ لأن هذا الإنسان داخله في عذاب، ويريد أن يسلي نفسه عن هذا العذاب بهذه الأشياء؛ فيزيد الطين بلة، (يريد أن يكحلها فيعميها) إذا أراد أن يبعد ما في نفسه من العذاب فعليه بكتاب الله وبالتوبة إلى الله، وبالرجعة إلى دين الله، ينزع الله من قلبه القلق والحيرة والاضطراب، ويزرع الله في قلبه الأمن والطمأنينة والأمان؛ لأن هذه من ثمار الدين: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].