للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الكافر والعاصي عند الموت]

إن الكافر يعيش هذه الدنيا في عذاب، ويوم يموت تأتيه ملائكة العذاب، وتقول: يا أيتها الروح الخبيثة! أخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، فتخرج روحه ثم لا يدعوها طرفة عين حتى يضعونها في مسوح من النار، ويصعدون بها إلى السماء، ولها ريحٌ كأنتن ريحِ جيفةٍ وجد على وجه الأرض، ثم يدعى بأسوأ الأسماء التي كان يعرف بها في الدنيا، فإذا بلغ بها السماء واستفتح لها، غلقت أبواب السماء دونها؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف:٤٠] لا يدخلون الجنة، ولا تفتح لهم أبواب السماء.

لماذا؟ لأنهم استكبروا، والكبرياء خطيرة، الكبرياء هي منزلة للشيطان، تكبر فماذا حصل؟ يعني: صاحب الشهوة والمعصية يرجى له توبة، لكن صاحب الكبرياء يُخاف عليه من اللعنة، لأن آدم عصى مشتهياً فتاب وتاب الله عليه، وإبليس عصى مستكبراً، لما قال الله له اسجد: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤] فكتبت عليه اللعنة، ونحن أكثر ما نخشى من الكبر، خصوصاً على أصحاب الرتب، فأصحاب الرتب يأتيهم الشيطان ويزين لهم الكبرياء والتعالي والتعاظم على من هو دونهم في الرتب، فيحصل لهم من هذا ضلالٌ لا يعلمه إلا الله، فتواضع لله يرفعك في الدنيا والآخرة؛ لأن من تواضع لله رفعه الله، ومن تعاظم على الله، وضعه الله.

تجد مثلاً المدير أو القائد أو الزعيم أو اللواء أو الأمير، إذا تواضع (وبش) وسلَّم ورقَّ واحترم وقدر الناس، هؤلاء يحترمونه من قلوبهم.

وإذا أحيل على المعاش والتقاعد بعد ذلك فلا تذهب منزلته من قلوبهم، تبقى منزلته في قلوبهم إلى أن يموت، ويوم أن يموت ويذكر يقولون: (الله يذكره بالخير)، لكن المتكبر المتعاظم يُحترم لكن بالقوة، فإذا زالت عنه الرتبة والله لا يسلمون عليه في الشارع، لا يقولون له: السلام عليكم، لماذا؟ لأنه كان يفرض عليهم بالقوة؛ لكن لو أنه أعطاهم الاحترام بالقدوة، وانتزع منهم الحب بالتواضع؛ لتغير ذلك نحوه، فمن تواضع لله رفعه، والذين يستكبرون كما جاء في الحديث والحديث في صحيح مسلم قال: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) هذا مثقال ذرة فكيف بالذي عنده قنطار من كبر؟ يمشي وإذا مشى كأن أنفه معلق في السماء، لا يمشي وعينه في الأرض، لا.

هكذا لماذا تتكبر؟ وبماذا تتكبر؟: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:٦ - ٧] لماذا تتكبر؟! ارجع إلى أصلك، يا بن الأربعين سنة! أين كنت قبل أربعين سنة؟ كنت نطفة مذرة، خرجت من مجرى البول مرتين، الأولى: من ذكر أبيك، والثانية: من فرج أمك، وأنت بين هذا وذاك تحمل في بطنك العذرة، ثم نهايتك جيفة قذرة، لماذا تتعاظم على الله؟ تستكبر بمالك تستكبر برتبتك تستكبر بعضلاتك المال مال الله والرتبة من الله العضلات من الله العافية من الله الجمال من الله الشباب من الله لماذا تتعاظم على عباد الله بما هو لله وليس منك في شيء؟! عيب عليك هذا، تواضع لخالقك، يرفعك خالقك في الدنيا والآخرة، وإذا أبى إلا أن يتكبر، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا} [الأعراف:٤٠] بعض الناس تقول له: صلِ في المسجد، قال: لا يا شيخ! أنا أصلي في مكتبي، لماذا؟ قال: إذا صليت في المسجد يأتي بجانبي صاحب الرتبة الضعيفة، وأنا لا أريد أن يسقط اعتباري، أريد أن أصلي لوحدي ولا يصلي بجانبي إلا واحد مثلي، لا إله إلا الله! يسقط اعتبارك إذا أتيت في الصف الأول؟! يسقط اعتبارك إذا أتى بجانبك الجندي؟! والله يعلو اعتبارك، ووالله ترتفع منزلتك، لماذا؟ لأنك تتواضع لخالقك الذي بيده مقاليد الأمور، من الذي قلدك هذا المنصب، من الذي أعطاك هذه الرتبة؟! إنه الله، ليس أنت، إنه خالقك ابتلاك بهذا من أجل أن تتواضع له، وتتواضع لعباده، فإذا تعاليت وتعاظمت؛ وضعك الله واحتقرك في الدنيا والآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:٤٠].

إذا دخل البعير في خرق الإبرة؛ دخلوا الجنة، وهذا يسمونه العلماء تعليق على المستحيل، يعني: مستحيل أن يدخل الجمل في خرق الإبرة، وهؤلاء من المستحيل دخولهم الجنة: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:٤٠ - ٤١].

ثم في القبر يذله الله، وفي النار يهلكه الله، من أجل ماذا؟ من أجل ارتكابه معصية الله، وتركه طاعة الله.

بالله يا إخواني في الله! يا أهل العقول الرشيدة! هل يسوغ لنا العقل هذا أن نضيع سعادة الدنيا والآخرة، وأن نقع في خزي الدنيا والآخرة من أجل المعصية؟! لا والله لا خيار لنا، إن الخيار الأمثل، والبديل الأفضل أن نسير في طاعة الله، والله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] الخيار الصحيح لك: الدين.

الكفر والمعاصي والمنكرات ليست بخيار، شبعنا والله شبعنا، لعب الناس حتى تعبوا، ورقصوا حتى انثنوا، وغنوا حتى ملوا، ثم يأتي المغني (ونمططه ونراقصة ونلاعبه) فيخرج المغني والرقاص من الدنيا وليس معه شيء، لكن إذا تعبت في طاعة الله تخرج ومعك ذهب أحمر، تخرج ومعك عمل، يقول الله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:٣٠].