للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطوات الشيطان في إخراج آدم من الجنة]

لما سأله الله تعالى: لماذا لا تسجد يا إبليس؟ {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:٧٦] وهذا خطأ، فإنه كان يتصور أن النار أفضل من الطين، وهذا خطأ، إذ الطين أفضل من النار؛ لأن النار وسيلة إحراق وتدمير، والطين وسيلة حياة وتعمير، إذ كيف تخرج حياة الناس كلها إلا من الطين؛ الثمار، والفواكه، والخيرات كلها من الطين، فغير صحيح أن النار أفضل من الطين، قال الله عز وجل بعدها: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:٧٧ - ٧٨].

نعم.

لعنه الله، وطرده وقال لآدم وهو في الجنة: {يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:١١٧] بين الله له، كشف الله له الأمر: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:١١٧] انتبه! اجلس في الجنة، لا تطع عدوك {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه:١١٨ - ١١٩] نعيم في نعيم، وبعد ذلك: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:٣٥] هذه الشجرة يقول عنها المفسرون: إن جميع ثمار الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كانت كافية لكل مطامع آدم، لكن هذه الشجرة؛ لأن كل من أكل من ثمار الجنة يخرج منه مسك؛ العرق ريحته ريحة المسك إلا هذه الشجرة، من أكل منها يخرج منه أذى، وما في الجنة مكان للأذى، فالله حرمها عليه وقال: لا تأكل من هذه الشجرة، وجاء الشيطان إلى آدم ليخرجه من الجنة، بعد أن بين الله له عداوته وقال: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:١١٧] انتبه.

لا تطعه.

وجاء إليه بالمكر والحيلة، وقال له: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:١٢٠] وهذه الشجرة في الحقيقة هي شجرة الخروج؛ الذي يأكلها يخرج من الجنة، لكن جاءه بغير الموضوع وقال له: (شجرة الخلد) أي: الذي يأكلها يصير خالداً في الجنة، وهذه هي لغة الشيطان وأعوانه، وكثير من الشباب الآن يقع في حبائل الشر والفتن والجرائم عن طريق المكر؛ يأتي واحد ويقول: تريد أن تذهب إلى خارج البلد وتذهب عنك الهموم وترى مصر وأنت هنا؟ قال: نعم.

قال: دخن واحدة فقط، فتبدأ السقطة بدخانة تريد أن ترتاح وتذهب منك المشاكل؟ تريد أن تذاكر الدروس وأنت منبسط؟ قال: نعم، قال: خذ حبة من المخدرات، فيبدأ الانزلاق بأول حبة تريد أن ينشرح صدرك؟ ابحث فقط عن فتاة تتكلم معها في التلفون، أو ترسل لها رسالة، أو تقابلها في مكان، أو أي شيء.

حتى يورطه في جريمة الزنا والعياذ بالله، من أين هذه الأفكار؟ من الشيطان، كما أضل آدم يريد أن يضل أبناءه إلى يوم القيامة، فجاء إلى أبينا آدم وقال له: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:١٢٠] لأن آدم كما يقول المفسرون: ليس من أهل الجنة في الأصالة، أهل الجنة بالأصالة هم الملائكة، أما آدم هو من أهل الجنة بالتبعية، أي: أصله من الأرض وجاء به الله عز وجل، فهو ليس من أهل الجنة بالأصالة؛ فهو خائف، ودائماً الغريب الذي يقيم في أرض طيبة أرض أمن أرض خيرات وهو ليس من أهل هذه الأرض، يخاف أن يخرج منها، فهو يريد أن يحصل على إقامة دائمة، لا يخرج منها، من أجل ما في هذه الجنة، فجاءه إبليس من هذا الجانب وقال له: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:٢٠] يقول: إذا أكلتما من هذه الشجرة سوف تصبحان من الملائكة، وتصبحان من الخالدين في الجنة، ثم قال: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٢١] حلف لهم بالله إنه لهم ناصح وهو كذاب، ولهذا لا تصدق الذي ينصحك بالباطل ولو حلف لك، لا تصدقه، فإن الشيطان قد حلف لأبينا آدم، وأخرجه من الجنة وهو كذاب، قال الله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:٢٢] أي: دلاهما بكيد ومكر {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ} [الأعراف:٢٢] بمجرد أن أكل الشجرة أبونا آدم {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف:٢٢].

أوجد الله لهما مخارج لهذا الأذى {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:٢٢] بدءوا يتسترون {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣] قال الله عز وجل: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:١٢٣] أخرج الله آدم، وأخرج الله إبليس، أخرجهم إلى الأرض {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً} [طه:١٢٣] يا آدم ويا إبليس كلكم {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:١٢٣] انتبه، لا تتخذ الشيطان صديقاً لك {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً} [النساء:١١٩].

سمعتم الآية: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:١٢٣] يقول ابن عباس: [تكفل الله لمن اتبع القرآن والسنة ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة] لكن من أعرض عن الدين والقرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:١٢٤] يتولاه الشيطان رأساً {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:١٢٤ - ١٢٧].