للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية العلم الشرعي]

لماذا أيها الإخوة جفت الأرواح، وتحجرت العيون، وقست القلوب، واشتغلت الجوارح بالمعاصي، وكسلت عن الطاعات، كل ذلك بسبب نقص العلم الشرعي عند الأمة.

ولهذا فإن الله تبارك وتعالى أول ما أنزل من كتابه الأمر بالقراءة قال: اقرأ! والرسول أمي لا يقرأ، وأمية الرسول صلى الله عليه وسلم دليل من دلائل نبوته، إن الله لم يجعله نبياً متعلماً، لماذا؟ لأنه لو كان متعلماً وكاتباً وقارئاً لقال الكفار: هذا من بنات أفكاره، هذا القرآن من عنده ومن تأليفه، ولهذا قال الله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} لو قرأت وكتبت {إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:٤٨] ولحصل الشك.

قال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:٤٩]، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمي، ويأتيه ملك الوحي، والحديث في صحيح البخاري، وهو جالس في غار حراء، وقد حبب إليه الخلاء صلوات الله وسلامه عليه، كان يخرج من مكة ويذهب إلى جبل النور، ويجلس في غار حراء الليلة والليالي ذوات العدد، وكان يتزود بالزاد معه، يجلس يومين أو ثلاثة أو أربعة أو أسبوعاً أو عشرة أيام وهو يتفكر لأنه ما كان يقر بعبادة الأوثان، وما كان يقر ما عليه قومه من الشرك، والكفر، والزنا، والخمر، والميسر، والقتل، كل هذه لم يقرها؛ لأن الله رباه تربية خاصة، فكان يجلس في الغار، فجاءه جبريل فضمه، يقول: (فغطني حتى نال مني الجهد -حتى بلغت نهاية التحمل- ثم أرسلني، ثم غطني، ثم أرسلني، ثلاث مرات، ثم قال لي: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ -الرسول ليس بقارئ، ماذا يقرأ؟ - قال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ ثلاث مرات، قلت: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ -لكن قراءة خاصة قراءة ربانية- {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١ - ٥]) إذن! الإنسان بغير القراءة والعلم لا قيمة له، الآن من منا يخفى عليه شئون الطعام أو قيادة السيارة أو الملابس؟ يعني: متخصصون في هذه الأشياء، لكن عندما تأتي إلى الناحية الشرعية الدينية، التي هي الهدف الرئيسي من خلقنا، أصبحت ثقافة الناس الآن ثقافة موبوءة، فلو طُلِبَ الإجابة على سؤال، وقيل مثلاً للحاضرين في أي مجتمع كان، لو نعزف لكم الآن طرفاً من أغنية، ونطلب من الذي يسمع العزف أن يبين لنا من المغني؟ ومن وضع الكلمات؟ والملحن؟ تجد مئات الأصابع ترتفع، كل واحد يقول: أنا أعرف، إنها أغنية فلان، ولحنها فلان، لماذا؟ ثقافة موسيقية ضخمة، لأنه منكب على الأغاني ليلاً ونهاراً، مشغل جهاز الصوت في السيارة على الأغنية، ويدخل البيت على الأغنية، وينام على الأغنية، ويستيقظ ويقوم عليها، حتى أصبح رأسه أغنية، حتى إن بعضهم لا يكتفي أن يغني هو، لا.

بل يريد أن تغني الدنيا كلها.

وقد ذكرت هذا مرة، كنت مرة في أبها ووقفت عند إشارة مرور، وإذا بشخص بجانبي صاحب سيارة منذ أن وقف شعرت أن سيارتي تهتز، أصبحت ترقص، فطالعت كذا، فإذا بالرجل مركب في سيارته استريو على الأبواب، وفي المقدمة والخلف، ويرفع الصوت على آخر شيء، فكأن السيارة كلها تهتز، وسيارتي كأنها أصيبت بالعدوى؛ لأنها معه على أرضية واحدة، فأنزلت الزجاج وسلمت عليه، فطبعاً رآني ورأى شكلي، استحيا فخفض الصوت، قلت له: ما هذا الضجيج، قال: أيش، قلت: سيارتك ترقص كلها، يعني: لم تكتف بأن ترقص أنت، حتى الحديد تريده يرقص، بل رقصتني وأنا جالس بجانبك يا أخي! قال: يا شيخ! والله إنك تعرف الشباب، قلت: لا يا أخي! يعني شباب للنار، اتق الله، الأمة نضجت، الأمة شبعت من الأغاني، ما ضيعنا القدس إلا بالأغاني، وما حاربتنا إسرائيل إلا بجيش من المغنين والمغنيات، نحن أمة الجهاد، والدعوة، والكتاب والسنة رائدة قائدة، لسنا أمة مغنية وتافهة رخيصة، فلما قلت له هذا الكلام قال: جزاك الله خيراً، ثم أعطيته أشرطة إسلامية.

الشاهد في الموضوع: أن ثقافة الناس مثل هذه النوعية، لكن لو تأتي بآية وتقول له: هذه الآية في أي سورة من كتاب الله؟ من يعرف؟ يتلفتون ولا يعرف أحد منهم، ابحثوا لنا عن مطوع يعرفها، وأنت؟! يعني: الدين خاص بالمطوع فقط؟ لو سألناك: أيش ديانتك؟ تقول: مسلم، حسناً هذه السورة من الإسلام، هذه من كتاب الله، هذا دينك، لكن للأسف لا يحفظ من كتاب الله شيئاً، وإنما يحفظ الأغاني، والرذائل، والحكايات، والعلوم، وأسماء المغنيين، وأسماء اللاعبين، وكل شيء إلا الكتاب، فلا يحفظ منه شيئاً، كيف يأتيه الدين أيها الإخوة؟!