للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كثرة قراءة القرآن]

إن من يكثر من قراءة القرآن يحبه الله، لماذا؟ لأن القرآن هو خطاب الله، كما جاء في الحديث: (من أراد أن يناجي ربه، فليقم إلى الصلاة، أو ليقرأ القرآن)، فالقرآن هو خطاب الله الموجه لك، فكأنك بقراءة القرآن تخاطب ربك، ودائماً المحب يحب أن يكثر الكلام مع من يحب.

أنت لا تريد أن تقصر العبارات إلا مع الذي تبغضه، أليس كذلك؟ إذا كان هناك شخص تبغضه -مثل إبليس- وجاء يريد أن يتكلم معك هل ستقعد تتكلم معه أم ستقصرها؟! لأنك تبغضه ولا تريد كلامه، لكن إذا كنت تحبه، بل الذي تحبه كلما أراد أن ينهي كلامه تقول: يا شيخ! دعنا نتكلم قليلاً طول قليلاً لو سمحت، لماذا؟ لأنك تحبه، وتحب كلامه، وتحب الأنس به، ولذا موسى عليه السلام كان يحب الله، فلما ناجاه وخاطبه عند الطور، قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:١٧] كان في إمكان موسى أن يقول عصاي، أي: الجواب على قدر السؤال، ما هذه يا موسى؟! عصاي، لكن ماذا قال: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:١٨] أطال الجواب، لماذا؟ قال العلماء: إنه من محبته لله، يريد أن يكثر الكلام مع الله عز وجل.

فالذي يكثر الكلام مع الله عن طريق القرآن، ويحب تلاوة القرآن باستمرار مع التدبر والتمعن هذا دليل على محبة الله، ومن أعظم موجبات محبة الله، ولذلك يا مسلم! اتق الله في نفسك، وأحيِ قلبك، وحبب نفسك إلى الله بكثرة تلاوة القرآن، واجعل في جيبك مصحفاً، واجعل عند رأسك عند السرير مصحفاً، واجعل في السيارة مصحفاً، واجعل في المكتب مصحفاً، وكلما وجدت فرصة واحدة مد يدك إلى المصحف واقرأ، وستجد في أول الأمر عندما تريد التلاوة نوعاً من الانقباض من الشيطان، لكن قل: أعوذ بالله منك يا عدو الله، ألعنك بلعنة الله ورسوله؛ لأنه لا يريدك أن تقرأ، فأنت تحرقه بالقرآن أنت تؤذيه، ولكن إذا أتيت تقرأ واستعذت بالله منه، ولعنته بلعنة الله عز وجل هرب منك، فإذا انشرح صدرك بالقرآن فاقرأ باستمرار، وهذه والله -أيها الإخوة- من أعظم علامات وأسباب محبة الله، يقول الله عز وجل في سورة يونس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٧ - ٥٨].

فإذا أردت أن يحبك الله فإن من أعظم الأسباب محبة الله أن تقرأ كلام الله، وهل في القراءة اليوم صعوبة علينا يا إخوان؟! يا إخوان! كان الأولون يجدون صعوبة في قراءة القرآن، لكنهم كانوا يقرءون، ربما تتذكرون كبار السن الذين كانوا في الماضي يعيشون في القرى فيجلس كل منهم في نافذة بيته قبل وجود الكهرباء، وإذا أشرقت الشمس فتح كلٌ مصحفه وقعدوا يقرءون، تسمع لهم في القراءة دوي كدوي النحل بتلاوة كلام الله عز وجل، رغم أن قراءتهم لم تكن مجودة ولكن عندهم إيمان وعندهم خوف من الله، مصحف أحدهم في خرقته، وإذا لم يجد كهرباء، يرقب كهرباء رب العالمين، فإذا أشرقت الشمس فتح المصحف وقعد يقرأ، حال الناس هكذا، لكن اليوم لا، المرأة تقرأ -كافحنا الأمية- والبنت تقرأ، والولد يقرأ، والأب يقرأ، كلٌ يقرأ لكنهم لا يقرءون القرآن، يقرءون الجرائد، والمجلات، والمقررات والمنهاج الدراسية، والمصحف لا أحد يمسّه لا أحد يقرأ إلا القليل يا إخواني! فإذا أردت أن تنال محبة الله؛ فاقرأ القرآن وطبعاً نحن نعني بالقراءة: قراءة التدبر والتأمل وفهم المراد من الله عز وجل، المراد بالقراءة: القراءة الشرعية التي تتدبر فيها كلام الله، وتعرف مراد الله؛ وماذا يريد الله عز وجل من كلامه.

أما أن تقرأ ولا تفهم فمثلك كمثل الببغاء الذي يقرأ ولا يفهم، لا تنفعك هذه القراءة، بل رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، كيف؟ قالوا: يدعو على نفسه {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:٦١] وهو كذاب فيلعن نفسه.

أو {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:٨] وهو ظالم فيلعن نفسه، فلا -يا أخي- اقرأ وتدبر واعمل بالقرآن.

هذا أول سبب من أسباب محبة الله.