للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأخر النصر يبين الصدق والنفاق]

ربما يتساءل بعض الناس ويقول: لماذا هذا العذاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللصحابة أليسوا على الحق؟ لماذا لم ينصرهم الله ابتداء؟ ولماذا لم يعصمهم الله من إيذاء الكفار والمشركين؟ والجواب على هذا التساؤل هو: أن للإنسان في الدنيا أول صفة أنه مبتلى، وأنه مكلف بإعلاء الدين وإظهار كلمة الإسلام، العبودية لله سبحانه وتعالى، فالله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ} [الملك:٢] أي: يختبركم {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] وقال: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:٧].

فمستلزمات العبودية والابتلاء والتكليف تحمل المشاق، ومجاهدة النفس والأهواء، والصمود في وجه الابتلاءات والفتن، والفتنة والابتلاء هي المحك وهي الميزان الذي يميز به بين الصادق والكاذب، قال الله تعالى فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:٨ - ١٠].

وجد أناس قالوا: آمنا؛ لكن لما جاء المحك، لما جاء الابتلاء لم يثبتوا تأتي صلاة الفجر فلا يصلون، وأثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، جاء الجهاد فتخلفوا، جاء الإنفاق فكانوا يلمزون في الصدقات، لما طلبوا للجهاد قال أحدهم: لا تفتني أنا إذا جئت ورأيت النساء لا أستطيع أن أقاتل، قال الله: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:٤٩] طلب منهم الإنفاق قالوا: هذه أخت الجزية.

أيها الإخوة: البلاء سنة إلهية، وسنة كونية ربانية، فإنه لا بد من البلاء للإنسان، حتى يتميز أهل الإيمان من أهل النفاق، لكن كما ذكرت لكم -أيها الإخوة- وهو أن المسلم عليه أن يسأل الله العافية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس حين سأله وقال: (أدع الله لي يا رسول الله، قال: سل الله العافية، قال: زدني، قال: سل الله العافية، ثم قال: يا عباس! يا عم رسول الله ما أوتي عبد في الدنيا ولا في الآخرة أحسن من العافية) فنحن نسأل الله السلامة والعافية، ولكن إذا نزل البلاء فلنصبر ولنحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى.

وفيما نحن فيه من الابتلاء ما يكفينا ويغنينا عن ابتلاء آخر في جسدك أو في مالك أو في نفسك، عليك أن تثبت وأن تستعين بالله سبحانه وتعالى وأن تقوم بالتكاليف فإن فيها غنية.

فالتكليف بالصلوات الخمس نوع من الابتلاء فإن أوقات الصلوات تتعارض مع راحة البال، فالموظف يجئ من الدوام الساعة الثانية والنصف ويتغدى وبعد قليل يؤذن العصر، فإما أن يذهب يصلي، وإما أن ينام، إن كان عنده إيمان ذهب وصلى، وإن كان إيمانه ضعيفاً أو عنده نفاق فإنه ينام عن صلاة العصر، وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) وحبط أي: فسد، والحبط هو داء يصيب المواشي إذا أكلت شيئاً من أنواع النبات، فتنتفخ بطونها حتى تحبط وتموت، كذلك العمل يحبط، أي: يفسد إذا ضيعت صلاة العصر.

وفي مسلم: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر ماله وأهله) أي: كأنه خسر ماله كله وأهله كلهم، والله يقول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:٢٣٨] والصلاة الوسطى قال بعض العلماء: إنها صلاة العصر، الله أفردها بالذكر لأهميتها، نضرب مثالاً على ذلك لو أنك موظف، ويأتيك المدير بمجموعة من المعاملات، ويقول لك: اعمل الإجراءات على المعاملات هذه وخصوصاً هذه، ويخرج لك إحدى المعاملات ويقول أكمل الإجراءات على كل المعاملات، وبالذات هذه فانتبه، فماذا تعمل؟ وبأي معاملة سوف تبدأ؟ تبدأ بهذه التي نبهك عليها، لكن لو أتممت كل المعاملات إلا التي نبهك عليها، وأتيت اليوم التالي وأعطيته المعاملات فقال: أين التي قلت لك عليها؟ فتقول: والله ما عملتها، يغضب أم يرضى عليك؟ يغضب، يقول: على شأن يأكد لك من أجل أن تسويها تقوم تضيعها، ولله المثل الأعلى، الله يقول: حافظوا على الصلوات كلها، لكن قال: والصلاة الوسطى، فضيعنا الصلاة الوسطى -يا إخواني- الآن أقل معدل في الصلوات صلاة الفجر والعصر، العصر دائماً الناس يأتون من الدوام وحين يتغدى ينام، ويسمع الأذان فيقول: أتسطح، فيتسطح ثم يتبطح ثم يركبه الشيطان والعياذ بالله، ولا يقوم إلا الساعة الرابعة أو الخامسة.

من حين تسمع الأذان مباشرة قم إلى المسجد، واحذر من هذه النومة التي قبل صلاة العصر، ما في إمكانية، خصوصاً هذه الأيام أيام الشتاء؛ لأن الليل طويل والنهار قصير، فما تنام إلا إذا كان لا بد من النوم فلا مانع بعد العصر، أما أن تنام قبل العصر، فلا.

حتى لا تضيع وقت صلاة العصر، هذه فيها بلاء، ود الناس لو أن المسألة بالمزاج، كأن صلاة العصر الساعة الثانية والربع، حدد الدوام؛ لأنه قد صلى الظهر في الساعة الثانية عشرة ومن الساعة اثنتين وربع يصلي إلى اثنتين ونصف ويتغدى وينام إلى المغرب، لكن الله هو الذي يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:١٠٣] أي: مفروضاً معلوماً في جميع الأوقات، فالذي حددها هو الله، يقول الله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:٧٨] أي: الظهر والعصر: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:٧٨] أي: المغرب والعشاء ثم قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:٧٨] أي صلاة الفجر.

فالصلاة فيها تكليف، والزكاة فيها تكليف؛ لأن المال محبوب إلى النفس، وإذا جئت لتخرج الزكاة فأنت تبرهن في إخراجك على أن حبك لله أكثر من حبك لهذا المال، والصيام فيه تكليف، تدع شهوتك وطعامك وشرابك وزوجتك من أجل الله، فهذا نوع من التكليف، والحج تكليف، كل التكاليف الشرعية فيها مشقة، وهي نوع من الابتلاء، وكذلك الشهوات المحرمة، فميل النفس إلى الزنا، وميلها إلى لخمور، وميلها إلى ممارسة الربا، وميلها إلى شرب المحرمات، وكل هذا في النفس البشرية، وهو ابتلاء، ولكن المؤمن عنده إيمان قوي يحجزه ولو قطعوه قطعة قطعة؛ لأنه يخاف الله، بل لو دعي إلى الجريمة يقول: إني أخاف الله رب العالمين.

هذه أيها الإخوة: إشارة إلى الابتلاء وهذا في حياة المؤمنين، ونترك ما بقي من الوقت للإجابة على بعض الأسئلة التي وردت منكم؛ لأني كنت قد وعدتكم في تخصيص بعض الحلقات للأسئلة لكن من الصعب أن نخصص حلقة كاملة، وسوف نختصر الدرس ونعطيكم وقتاً كافياً للأسئلة.