للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا سعادة تعدل سعادة الإيمان]

هذه الحياة كلها؛ لذتها وطعمها في حياة الروح، وإذا حُرِم الإنسان من غذاء الروح -الغذاء الإيماني- عاش في عذاب وشقاء، ولذا ترون البشرية اليوم في الشرق والغرب، في أوروبا وأمريكا بلغوا من التطور والتقدم والاكتشافات العلمية ما لا يصدقه العقل، أراحوا الجانب الجسدي لأبعد درجة، لدرجة أنه في أمريكا يقال: في المناطق الباردة ينامون وعليهم بطانيات كهربائية يضبط العيار عنده فيجعله مثل الخيمة الصغيرة، ويربط (الفيش) بالكهرباء وبعد ذاك عنده عيار يضبط به درجة الحرارة، كم يريد من الحرارة.

عشرين ثلاثين، وينام طوال الليل على هذا، بالرغم من هذا التكييف الذي يحصل له، وبالرغم من أن كل شيء في الدنيا مهيأ إلا أنهم في عذاب، حتى إن أعلى دول العالم نسبة في الانتحار هي أعلى دولة نسبة في التقدم والرقي وهي الدول الإسكندنافية: الدنمارك والسويد والنرويج أعلى نسبة الانتحار فيها؛ لأنهم ما وجدوا السعادة ولا الراحة في كل ما حققوه لأنفسهم من الماديات، فلما لم يجدوا راحة بل وجدوا أنهم في ضيق تخلصوا من الحياة بالانتحار.

يفكر أحدهم ويقول: أنا لماذا أعيش؟ فيقول: أنا أعيش من أجل أن أموت، فما دام أني أعيش من أجل أن أموت فأموت من الآن، لماذا أجلس سنة أو سنتين أو عشر وأنا آكل وأشرب وأصبح وأمسي حتى أموت، فيقفز قفزة إلى الموت ليتخلص من هذه الحياة، لكن الذي يقدم لك الراحة والطمأنينة، وينزع من قلبك القلق والاضطراب والحيرة، ويوجد في قلبك الاستقرار والأمان هو الإيمان، هو دين الله عز وجل، هي الهداية.

ولا تسعد في هذه الدنيا إلا بالهداية؛ لأن من الناس من يتصور أن آثار الدين فقط في الآخرة، ولهذا يقول: الدين سيحرمني من لذات الدنيا، فأنا أتمتع فيها والآخرة بعد ذلك، وهذا خطأ، الدين آثاره معك في الدنيا قبل الآخرة، والكفر معك آثاره في الدنيا قبل الآخرة، الكفر يزرع في قلب الإنسان الخوف والقلق، والحيرة والضلال، والتيه وعدم الرضا، مهما شبع ومهما ولغ من الشهوات؛ لكنه لا يجد الراحة والطمأنينة إن كانت أموال فهي عليه وبال، يقول الله: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:٥٥] إن كن زوجات وأولاد يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:١٥] ليس بديلاً للإيمان شيءٌ في هذه الحياة، فلا يوجد في الدنيا بديل للإيمان لإسعاد الإنسان في هذه الحياة.