للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهداية لا تعني العصمة من المعاصي]

نحن لا ندعي أن صاحب الدين كامل لا يعصي الله عز وجل، لا.

فالعصمة للأنبياء، والعاصم هو الله، لكن نعني أنك تضع نفسك وتخضع كل حياتك لدين الله، عينك تخضعها للدين فلا تنظر بها إلى الحرام، وإذا نظرت مرة تستغفر وتتوب، أما أن تخصص عينيك للشر وللشيطان وأنت تصلي في المسجد فهذا حرام، لكن من يوم تخرج من صلاة العصر إلى المغرب وأنت في المعارض والأسواق تتتبع أعراض المسلمين، وتتلصص على محارمهم، وتملأ عينيك من الحرام وتقول: يا شيخ! أنا أصلي والحمد لله! نعم.

صليت ولكنك ما اتقيت الله في هذه العين، والله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠].

أنت تخضع عينيك لدين الله ولكن لست بمعصوم، فقد تقع منك زلة و (قد) هنا لما يستقبل من الزمان على التقليل، وقد يقع منك شيء، فإذا وقع شيء تقول: أستغفر الله وأتوب إليه، ولذا شرع الاستغفار وشرعت التوبة، وبيّن الله أنه غفور رحيم، ولا يكون كذلك إلا لمن يخطئون ويذنبون؛ لأن هذه صفة من صفات الله، قال عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].

معنى الدخول الكلي في الدين أنك تقول: يا رب أنا عبدك وأنت خالقي وسيدي ومولاي وإلهي، وأنا عبدك خاضع بين يديك، أخضع كل حياتي لأمرك، فعيني لا أنظر بها إلا ما تريد، وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عن ربه عز وجل قال: (يقول الله تبارك وتعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) إذا أحبك الله أصبحت عبداً ربانياً، لا تسمع إلا ما يحبه الله (كنت سمعه الذي يسمع به) هل تسمع شيئاً يغضب الله؟ لا.

لماذا؟ لأن أذنك هذه ربانية.

(وبصره الذي يبصر به) تصبح عينك هذه عيناً ربانية مهتدية؛ لأنها تبصر بالله، هل يمكن أن تبصر حراماً؟ لا.

(ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) لا بد من الدخول الكلي بكل جوارحك، بسمعك، وبصرك، ولسانك، وبطنك، وفرجك، وقدمك، ويدك، تخضع نفسك لله، وتمشي في الخط، هذا معنى الاستسلام لله، الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك والبراءة من أهله؛ هذا معنى الإسلام.