للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة الله بآياته وأسمائه وصفاته]

هذه السورة تعالج هذه القضايا لتعريف العباد برب العباد: من هو؟! ما مصدر هذا الخلق؟! ماذا وراءه من أسرار وألغاز؟! كيف تعرف؟! مَن يخبرك؟! يخبرك الذي يعلم السر في السماوات والأرض، وستبقى ضالاً وتائهاً حائراً إذا لم تتعلم مَن الذي خلق الكون والحياة، فجاءت السورة لتخبرك: مَن هو الله عن طريق عرض بيان أسمائه وصفاته: مَن هو الخالق لهذا الكون؟! ما وراء هذا الكون؟! ثم مَن هم العباد؟! مَن الذي جاء بهم إلى هذا الوجود؟! مَن أنشأهم؟! مَن الذي يطعمهم؟! مَن الذي يكفلهم؟! مَن الذي يدبر أمورهم؟! مَن الذي يقلِّب أفئدتهم وأبصارهم؟! مَن الذي يقلِّب ليلهم ونهارهم؟! مَن الذي يبدئهم، ثم يفنيهم، ثم يعيدهم؟! ولأي شيء خلقهم؟! عبثاً؟ لا.

إن الله مُنَزَّهٌ عن العبث، والله قد أبطل هذه الفِرْية التي عند الناس، وتوعد من قال بها بالويل في النار، يقول عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [المؤمنون:١١٥ - ١١٦].

ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:١٦] يعني: عبثاً، {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٧ - ١٨]، لهم الويل بما يصفون الله بأنه خلق هذه الدنيا عبثاً.

ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص:٢٧] أي: عبثاً، {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:٢٧].

الآن البشرية كلها مِن أولها إلى آخرها كثير ممن هم على وجه الأرض -إلا الموحِّد المسلم- يقولون: إن الدنيا خلقت عبثاً، فقط.

وإذا سئل: لماذا خُلِقْتَ؟ قال: لنأكل، ونشرب، ونتمتع؛ ولذا يقضون ليلهم ونهارهم في التنافس والإكثار من الشهوات، لماذا؟ مستعجلون؟ لأنهم يعرفون أنهم سيموتون، فيريدون أن يشبعوا ويحصلوا أكبر قدر منها؛ لأنهم لم يعرفوا من الدنيا إلا هذا، ولهذا يسميهم الله بهائم، حيوانات يقول عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢].

إذاًَ: ما دام أن الله لم يخلقك عبثاً فلا بد أن يكون هناك حكمة من خلقك، من أين تعرفها؟ مِن عندك؟ لا؛ لأنك لست أنت الذي خلقت نفسك، لو أنك خلقت نفسك لعرفت حكمة خلقك؛ لكن أنت خُلِقت رغم إرادتك، إذاً: الذي خلقك هو الذي يعرف لماذا خلقك.

فمن الذي خلق الناس؟! الله.

ولأي شيء خلقهم؟! وإلى أي أجلٍ أجَّلهم؟ وإلى أي مصيرٍ يُسْلِمهم؟ هذه الحياة المبثوثة في كل مكان في الأرض من يبثها ويوجدها بعد الموت؟! هذا الماء الهاطل، والنبات النابت، والحب المتراكب، والنجم الثاقب، والصبح البازغ، والليل الداجي، والضحى الساجي، والفلك الدوار، والقمر المنير، والشمس المضيئة، والكون كله، مَنْ وراءه؟! وماذا وراءه؟! وما هو خبره؟! الناس يموتون فلماذا يموتون؟! وإلى أين يذهبون؟! وأناس يولدون، لماذا يولدون؟! لماذا لم يستمر أولئك في الحياة ويأتِ أناسٌ جُدُد؟! لكن هذا يمشي رغماً عنه وهذا يموت، وهذا يولد رغماً عنه وهذا يمشي، هذا يؤدي دوراً، وذاك يؤدي نفس الدور، ويختلف معه بحسب سلوكه للسبيل السَّوِي أو السبيل الغَوِي! أسرار مجاهيل! هذه الأمم: أمة تباد، وأمة تحيا.

هذه القرون: تذهب، وتجيء غيرها، وتُهلك.

وأمم تُسْتَخْلف، مَن الذي يستخلف الأمم؟! ومن الذي يهلك الأمم؟! ولماذا يدركها البوار؟! وماذا بعد الاستخلاف والابتلاء؟! وماذا بعد الوفاة من مصير وحساب وجزاء؟!