للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البصر والسمع في ميزان إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم]

لقد أمرك الله وأمرك رسوله صلّى الله عليه وسلم بغض بصرك، فهل أجبت؟: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:٣٠] وغض البصر يا إخواني! كما أقول باستمرار: والله راحة لقلبك في الدنيا، وقد كنت أسير أنا وأحد الإخوة ونحن خارجان من المسجد ذاهبان إلى بيتي بعد صلاة العصر، وإذا بامرأتين مقبلتين، وأنا أراقبه أريد أن أرى ماذا يفعل، هل سيلتفت إليهن أم ماذا؟ وأنا -أسأل الله أن يثبتني وإياكم- أجاهد نفسي كأي إنسان لكنه شاب، وأنا كبير في العمر، فنظرت إليه، وإذا به يغض بصره فجزاه الله خيراً، فلما تجاوزناهما، قلت: ما رأيك في غض البصر، هل هو أريح أم النظر؟ قال: والله يا أخي! إن غض البصر أريح.

قلت: لماذا؟ قال: لو أني نظرت ربما رأيت شيئاً قد لا يكون جيداً، وقد يشغلني، لكن غض البصر أريح.

فغض البصر راحة لقلبك؛ لأن الله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] لماذا؟ {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] ذلك أفضل لكم؛ لأن العيون الدانية الهابطة التي دائماً تتلصص على المحارم ترسل نيراناً إلى القلب، ويبقى القلب تحت وطأة النظر في عذاب مستمر، فكلما رأى امرأة جاءته طعنة، والنظر يفعل في القلوب فعل السهام بلا قوس ولا وتر، فما دام أنك تطعن قلبك بنفسك لماذا لا تُسلم قلبك وتحميه، والناظم يقول:

وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ويقول الآخر:

وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل

ويقول:

يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت المراد فلا ترم بما تصب

يقول: لا.

أنت المراد فلا ترمِ نفسك، ارفعها لا تصب عمرك، لا تحدد النظرة فإن النظرة في قلبك، فالله أمرك ورسوله أمرك بغض البصر، هل أجبت المرسلين؟ إن شاء الله.

الله أمرك بأن تحصن سمعك وتحفظه ولا تسمع به حراماً لا غناءً، ولا غيبةً ولا نميمةً، ولا كلاماً ساقطاً، وإنما اجعل أذنك أذناً ربانية، لا تستمع إلا إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، هل عملت هذا؟ إن شاء الله أجبت المرسلين، وقس على هذا كل شيء.

بعض الناس يقول: نعم أجبت المرسلين، وهو عاكف على الأغاني والمنكرات، والدخان و (الجيراك) و (الشمة) وقطع الصلاة، وشراء المجلات العارية، وقراءة القصص الهابطة، ومرافقة السيئين، والسهرات القاتلة -والعياذ بالله-.

فهو يعيش في وادٍ بعيد عن الدين، ويظن أنه أجاب المرسلين، لا والله ما أجبت المرسلين، فهذا تعمى عليه الأنباء يوم القيامة، ويسقط سقطة لا يقوم منها -والعياذ بالله-.

قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ} [القصص:٦٥ - ٦٦] فلا يتساءلون، وإنما كل إنسان يفكر في الإجابة.

وأنا أضرب لكم على هذا مثالاً واقعياً، باعتبار أن أكثركم من الطلاب، فالطالب حينما يبدأ عامه الدراسي بالجد فينتبه لشروح المدرس ويسجل في مذكراته التعليقات الهامة والبارزة التي يتوقع أنها يمكن أن تكون موضع سؤال خصوصاً في الدراسات الجامعية، المدرس الجامعي يعيد مواداً قد أخذها الطالب في الثانوية وفي المتوسطة، وفي الابتدائي فالفاعل الآن يدرس في كلية اللغة العربية وفي كلية الشريعة في سنة ثانية، ونحن درسناه في صف خامس ابتدائي: اسم مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، لكن الفاعل هناك له صفات؛ عمدة وركن وغيرها، وهذا الفاعل يعاد درسه؛ لكن بطريقة متوسعة ودقيقة، فتتمدد إلى أكثر من جزئية، ثم يأتي المدرس أو الدكتور من أجل التمييز بين الطالب المجتهد والمتابع، وبين الطالب المايع، وبين الطالب المنتظم والملتزم، وهو يسجل الأشياء المهمة في المحاضرات، والدكتور عندما يضع الامتحان، يضع من هذه التعريفات وهذه الألفاظ، ليميز بها بين من كان عقله موجوداً، ومن كان يلعب إلى آخر السنة، ويقول: والله أنا سأصور المذكرات، وأحفظها في البيت، ولن ينجح إلا ذاك المتابع من أول السنة، لأنه أولٌ بأول، فإذا دخل الصالة للامتحان في آخر العام، دخل والمادة مكتوبة في رأسه كأنها بين عينيه، فإذا أعطوه الورقة لم يلتفت لا يميناً ولا يساراً، ولكن ينظر في دفتره وباسم الله، مثل السيل السائل، والبحر يتدفق علماً، ويقلب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة ويغلق، راجع، قال: لا يحتاج مراجعة، المسألة مضبوطة، فهذا الذي ينتفع في حياته الدنيا، وإن شاء الله في الآخرة ينتفع أكثر.

لكن ما رأيكم في طالب مهمل ما أجاب المدرسين، ولا تابع (الدكاترة) ويوم جاء جدول الامتحان، لم يأخذ الجدول، وإن أخذ الجدول، قال: الامتحان بعد أسبوعين، أول مادة عندنا لغة عربية، ذاكِرْها، قال: يا شيخ! الجدول هذا يعقدني، أرجوك دعها إلى ذلك اليوم إن شاء الله يفتح عليَّ، إن شاء الله! رئيس اللجنة يرحمني، إن شاء الله يجعل ربي بجانبي زميل طيب، يعطيني بعض الكلمات، ويتمنى على الله الأماني، وبعد ذلك دخل صالة الامتحان وجيء بالأسئلة وقسمت عليه، وأخذ الأسئلة وقام يقرأ: السؤال الأول الثاني الثالث، وبعد ذلك تلفت وقال بيده كذا، وبعينه في السماء يريد أحداً يأتيه من السماء، ويعصر مخه، والله ليس معك إلا الذي معك، ولا أحد ينفع، وبعد ذلك قال: طيب.

السؤال الأول هذا صعب وأخاف أني أفشل فيه، آخذ السؤال الثاني، ويكتب الإجابة على السؤال ويقعد يضبطها؛ لأن هذه إضافية ما عليها درجات، وينسخها ويجعل لها هامشاً من اليمين، وهامشاً من اليسار ويجعل ترقيماً بالأحمر، أي: يضبطه منها يريد أن يخدع الدكتور؛ لكن لا تمشي على الدكاترة هذه، ولا تمشي على المدرسين نريد علماً، هل عندك شيء اكتبه؟ لكن ليس عنده شيء، وبعدها يتذكر ماذا درس في الثانوية؟ وماذا درس في الكفاءة؟ وماذا درس في الابتدائية؟ وأتى بمعلومات من الشارع ليست من الجامعة، فرق بين طالب الجامعة، وطالب الشارع الذي يأتي لك بأي كلام، طالب الجامعة مركز، يأتي بالمسألة من الحديث، هذا الحديث رواه فلان، وخرجه فلان، وفي سنده فلان، وبعد ذلك ذكر فيه أهل العلم كذا وكذا، اختلفت أقوال العلماء فيه، قيل فيه سبعة أقوال: القول الأول للشافعية ودليلهم كذا، القول الثاني للهادوية ودليلهم كذا، القول الثالث للحنابلة ودليلهم كذا، ثم بعد ذلك يراجع، ثم يقلب، ثم يعلق، ثم يقدم ويؤخر، ويأتي الدكتور فيجد علماً فيقول: خذ الدرجة كاملة.

أما ذاك فيقول: اختلف فيه العلماء على سبعة أقوال: الأول نسيت، والثاني والله لم أدر به، والثالث إن شاء الله أذكره بعد قليل، فما رأيكم في هذا؟ ما عرف إلا سبعة أقوال.

ويقول لك: سبعة أصفار مكعبة على طرفك، وبعد ذلك يخرج من المادة عميت عليه الأخبار قال الله: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} [القصص:٦٦] أولاً هل يقدم الورقة؟ ينظر يقول: يمكن يغفل الأستاذ ويتلفت، لعله يجد فرصة للغش، ما ينفع هذا كله، فيضطر أن يسلم الورقة للدكتور، وفي الخارج يسأل الطلاب: ماذا قلتم في السؤال الأول؟ وفي السؤال الثاني؟ لكن مع ذلك يأتي أمل قال: يمكن تنزل عليه الرحمة والشفقة، يمكن الدكتور يكون منبسطاً في ذلك اليوم، ورأى كلامي فيه بركة؛ وإن جاءت النتائج، جاء مع الناس مع الأول، ماذا تريد؟ قال: أريد النتيجة، النتيجة ألست تعرفها من أول؛ لكنه مغفل يضحك على نفسه.

يوجد طلاب أعرفهم والله عندما كنا ندرس في الجامعة كانوا لا يسألون عن النتيجة، ماذا يسألون؟ يقولون: لا نريد النتيجة هذا شيء في الجيب، بل نريد الأول والثاني والثالث والرابع، وواحد من إخواننا، يقول: أريد أنجح بالمقبول، وآخرون يقولون: لا نريد مقبولاً ولا جيداً، نريد ممتازاً.

لنا الصدر دون العالمين أو القبر

هذا في مجالات وامتحانات الدنيا، لكن امتحانات الآخرة يقول الله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} [القصص:٦٥ - ٦٦].

فيا إخواني في الله: لا بد أن نتفكر، وأن نعرف كيف نجيب المرسلين، بمراجعة الأوامر والنواهي، ومعرفة الطلب الذي طلبه منا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف أجبناه، حتى نأتي يوم القيامة مثل ذلك الطالب الذي أعطى ما في رأسه، وخرج يذاكر مادة ثانية، نأتي يوم القيامة وقد أجبنا المرسلين، ماذا كنت تقول في هذا الرسول؟ صدقت به وآمنت وشهدت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال في القبر: صدقت، على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، أما ذاك الذي ما علم شيئاً يقول: هاه هاه -مثل ذلك الذي ما عنده شيء- هاه هاه لا أدري، فيقال له في القبر: لا دريت ولا تليت، أي: جعلك الله لا تدري، فيضرب عند رأسه بمطرقة فيكون طحيناً من لدن قرنه إلى قدمه، هذا يضربه الفتان؛ فتان القبر هذا موكل بفتنة الكفار في القبور، وهذا أصم أبكم أعمى، أصم فلا يسمع بكاء، أعمى فلا ينظره حتى يرحمه، أبكم فلا يتخاطب وعنده مرزبة، ويضرب في الرأس، لماذا كنت عاصياً، فاجراً، عدواً لله! لكن يا أخي! ليس لك في الورطة هذه كلها يا أخي! امش في الخط، اضبط المسار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم -والله- تكسب الدنيا والآخرة.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو؛ أن يلهمني وإياكم الحجة وأن يقيمنا وإياكم على الطريق الصحيح، وأن يثبتنا وإياكم على الإيمان حتى نلقاه، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.